ومنها : القياس المنطقي المفرَّع على قوله عليهالسلام : « حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة » (١).
وتقريره هكذا : الإجماع في زمنهم عليهمالسلام حلال بالنصّ ، فالإجماع حلال إلى يوم القيامة بالنصّ.
فليتأمّل طالب الحقّ بالإنصاف والمتنكِّب جادّة الاعتساف فيما تضمّنته هذه الأخبار الواردة عن الأشراف ، يجد فيها دلالة صريحة فيما قلناه ، ونصّاً صحيحاً على ما ذكرناه ، وأنّ ما ذكره السائل دام ظلّه من عدم وضاحة غير المقبولة في مقام التكافؤ غير واضح ؛ إذ لا تكافؤ هاهنا ، لعدم ما يعارض هذه الأخبار.
وأمّا ما في رسالة الصادق عليهالسلام للشيعة التي أمرهم بتعاهدها ، قال عليهالسلام : « وقد عهد إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل موته ، فقالوا : نحن بعد ما قبض الله رسوله يسعنا أنْ نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس ثمّ قال عليهالسلام : فما أحدٌ أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممّن أخذ بذلك » (٢) .. إلى آخره.
فالمراد بالإجماع فيها الناشئ من اتّفاق الآراء الفاسدة والأهواء الكاسدة وهو الذي لم يدخل المعصوم فيه ، كالإجماع على تقديم أوّل اللصوص على أوّل أهل النصوص ، ولا نقول به لعدم الشرط ، لا الناشئ من الروايات كإجماعنا.
فإنْ قلت : هذا بعيد ، إذ لو أراد الإمام عليهالسلام هذا لأشار إليه بـ ( هذا ) الموضوع للقريب ، لا بـ ( ذلك ) الموضوع للبعيد.
قلت : قد تقرّر في النحو والمعاني أنّه يشار إلى المعنى الخاصّ إذا تقدّم ذكره بلفظ البعيد ، كما تقول : بالله الطالب الغالب ، وذلك قسم عظيم لأفعلنّ ، وقال الله تعالى ( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنّاسِ أَمْثالَهُمْ ) (٣) مشيراً بذلك إلى ضرب المثل ، وقال تعالى ( الم. ذلِكَ الْكِتابُ ) (٤).
بل هذا يؤيّد ما حملناه عليه ؛ لأنّ إجماعهم لمّا كان بمراحل عن مساحة القبول ، بل غير مقبول عندهم أصلاً حتى كأنّه غير محسوس ، ناسب الإشارة إليه بلفظ البعيد
__________________
(١) الكافي ١ : ٥٨ / ١٩.
(٢) الكافي ٨ : ٣٢٨.
(٣) محمّد : ٣.
(٤) البقرة : ١ ، ٢.