كما في المثال المتقدّم ، فإنّ المقسم به لمّا كان بعيداً كلّ البعد عن إحاطة الأفهام ناسب أنْ يشار إليه بلفظ البعيد كما لا يخفى على ذي رأي سديد.
وممّا يؤيّد ما قلناه أنّ شيخنا العلي الحرّ العاملي ذكر هذا الخبر في ( الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة ) في باب عدم جواز العمل بالإجماع الذي لم يعلم فيه دخول المعصوم عليهالسلام (١).
وأجاب غارس ( الحدائق الناضرة ) (٢) عن هذه الأخبار الظاهرة بوجوه :
الأوّل على الإجمال ـ : أنّ هذه الأخبار أخبار آحاد لا تفيد القطع ، والإجماع أصلٌ ولا بدّ من كونه يقينيّاً يتعيّن الرجوع إليه ، ولا يثبت قطعي بظنّي.
والجواب عنه على الإجمال أيضاً :
أمّا أولاً ؛ فلأنّا لا نسلّم آحاديّتها ، إذ قد بلغت حدّ التواتر ، فإنّ العدد المعتبر في التواتر وإفادته القطع على أحد الأقوال المشهورة أربعة أو خمسة أو عشرة ، وهذه الأخبار التي عثرنا عليها فقط خمسة عشر دون ما لم نعثر عليه ، ولا التفات لمَن اشترط الأربعين أو السبعين أو الثلاثمائة وثلاثين ؛ لكونها من الأقوال العاميّة المخالفة للقواعد المعصوميّة ، بل الحقّ المنصور أنْ ليس للتواتر عدد محصورٌ كما هو المذهب المشهور ، فقد يحصل باثنين وقد لا يحصل بألفين.
وأمّا ثانياً ؛ فليس الثابت بخبر الواحد حجّيّة الإجماع التي هي ثمرة القطع بدخول قول المعصوم عليهالسلام ، فيتّجه ما أُورد ، بل الثابت نفس الإجماع في خصوص تلك المسألة الفرعيّة ، المدّعى ثبوته فيها بالنقل وهو جزئي من كلّي ، والأصل هو كونه حجّة يتعيّن الرجوع إليه حيث يتحقّق وجوده في شيءٍ ، وذلك لا يثبت بخبر الواحد.
فكما أنّ السنّة لم يثبت كونها حجّة بخبر الواحد مطلقاً ، بل أفاد العلم والقطع الذي يتعيّن بهما الردّ إليها ، كذلك ثبوت حجّيّة الإجماع ، وكما أنّ السنّة ثبتت في خصوص مسألة فرعيّة بخبر الواحد ، كذلك الإجماع ، فلا يضرّ ظنّيّة ثبوته إنْ
__________________
(١) الفصول المهمّة : ٢١٣.
(٢) الحدائق الناضرة ١ : ٣٨.