ونحن نقرّه عليه ؛ لأنّه إذا اعتبر فيه الإحاطة بأقوال كلّ مجتهدي العصر لا يكاد يحصل لانتشارهم وتبدّدهم ، مع أنّ مبنى دينهم على الرأي والقياس والاستحسان. فعلى هذا يستحيل اتّفاقهم على قول ، إذ رأي كلّ واحد واستحسانه غير رأي الآخر واستحسانه ؛ ولهذا اعترضه العلّامة أعلى الله مقامه وجرّد عليه حسامه : ( بأنّا نجزم بالمسائل المجمع عليها جزماً قطعيّاً ) (١) .. إلى آخره.
وقول الشيخ حسن قدسسره : ـ ( إنّ ظاهر كلامه يعني : الرازي أنّ الوقوف على الإجماع والعلم به ابتداء من غير جهة النقل غير ممكن عادة لا مطلقاً ، وكلام العلّامة إنّما يدلّ على حصول العلم به من طريق النقل كما يصرّح به قوله أخيراً : علماً وجدانيّاً حصل بالتسامع وتظافر الأخبار عليه ) (٢) خلاف مراد العلّامة والرازي.
أمّا كونه خلاف مراد العلّامة ، فلأنّه لا يريد صحّة حصوله من طريق النقل ، إذ ليس في ذلك إشكالٌ على الرازي ليعترض عليه العلّامة بإثباته ، أو أنّ العلّامة مع ما هو عليه من الذكاء وجودة الفهم والمعرفة بأساليب الكلام واصطلاح العلماء ، يعترض على مَنْ يذكر عدم حصول الإجماع من غير جهة النقل بحصوله منها ، وإنّما مراده عدم انحصار العلم بحصول الإجماع في زمن الصحابة ، بل هو حاصلٌ في زماننا هذا بالتسامع والتظافر.
فيعلم أنّ المسألة إجماعيّة من دون أن ينقل بداية أصل الإجماع من الزمن السابق إلى اللاحق ، بمعنى أنّه لا يزال كون حكم المسألة الفلانيّة الوجوب أو الاستحباب يطرق أسماعنا ، وينقل ذلك لنا من العالم والمتعلّم والسامع العاقل ، حتى يكون ذلك شعاراً لنا ، يعرفنا به أهل الخلاف ، ونعرف به مَنْ لم يعرف دينه قبل ذلك ، بحيث يحصل العلم الجازم بأنّ هذا مذهب الإمام عليهالسلام لتراكم القرائن وتطابقها وبمثلها يحصل الإجماع ، وإيّاها أراد لا النقل كما ظنّ.
وأمّا كونه خلاف مراد الإمام الرازي ؛ فلأنّ ظاهر قوله : ( الإنصاف أنّه لا طريق إلى
__________________
(١) عنه في معالم الأُصول : ٢٤٣.
(٢) معالم الأُصول : ٢٤٣.