وأمّا احتمال التصويب فممنوعٌ ؛ لأنّه ليس ممّن يرضى بالتصويب لحكمه بتخطئة المخطئ ، وكذا ما قالوه من احتمال التوقّف والتمهّل وخوف الفتنة بالإنكار ، إذ لا يجوز عليه التوقّف لسعة علمه ؛ لأنّه حجّة الله ولا يكون حجّة حتى يعلم ما يحتاج إليه الرعيّة ممّا كان أو يكون ، ولأنّ التوقّف والتمهّل إنّما ينشأ من تعدّد الأدلّة ودليله واحدٌ ، بل هو حكمٌ عدلٌ وقولٌ فصلٌ ، ولأنّ التمهّل في النظر مرتبة أهل الاستنباط ، وليس عليهالسلام منهم.
فإنْ قلت : كلامك هذا يخالف ما سبق في المسألة الاولى من تفسير قوله تعالى ( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (١) بأهل البيت عليهمالسلام.
قلت : المراد بالاستنباط هنا هو ما يتوقّف على النظر وترتيب المقدّمات الاصطلاحيّة ، وهم عليهمالسلام منزَّهون عن ذلك ؛ إذ علمهم لا يحتاج إلى هذا ، إذ هو بتعليم الله ووراثة من جدِّهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والمراد باستنباطهم عليهمالسلام هو مجرّد أخذ الحكم من الكتاب العزيز ، وهو المراد به هناك ، فلا منافاة بين الكلامين بغير شكّ ولا مين.
هذا ، ولا مانع مع وجود المقتضي من الإنكار بنفسه أو بواسطة كتابة أو إلهام وتقرير ، وتقرير المعصوم وقوله وفعله سواء ، إلّا أنْ تثبتوا له عليهالسلام عدم العلم أو القول بالتصويب أو التوقّف والتمهّل والإخلال بالحسبة ، وهو ممنوعٌ. فإذا لم يحصل الصارف علم أنّه عليهالسلام قد أقرّهم عليه فصار إجماعاً ، وإذ ثبت كونه إجماعاً وانضمّ المعصوم إليه ثبتت حجّيّته.
لا يقال : من أين نعلم سكوت الباقين أو سكوت الإمام بعينه؟ ولعلّ الإنكار وقع ولم نعثر عليه لتبدّد العلماء وتعدّد الأقطار ، وقلتم : إنّ مجرّد وجود المخالف مبطلٌ له لكونه عدم علم الخلاف لا الوفاق كسائر الإجماعات ، وإذا فرض وجود المخالف جاز كونه الإمام أو واسطته.
فإنْ قلتم : يحتمل بطلان قول القائل ولم يكن قائل بخلافه ، لم يصدق قوله صلىاللهعليهوآله : « لا
__________________
(١) النساء : ٨٣.