وعن مسلم بن أبي حيّة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث أنّه قال له : « ائت أبان بن تغلب ، فإنّه قد سمع منّي حديثاً كثيراً ، فما رواه لك فاروه عنّي » (١). ومثله ورد في محمّد بن مسلم (٢) ويونس بن عبد الرحمن (٣) ، وغيرهما.
قيل : ( وقد تواتر الأمر من الأئمّة عليهمالسلام بالرجوع إلى جماعة مخصوصين من الثقات ، وبعضهم لم يكن من الاثني عشريّة ، وفي بعض تلك الروايات دلالة على جواز ذلك مع التمكّن من سؤال الإمام عليهالسلام ). انتهى.
وحينئذٍ ، فلا يجوز لنا توهّم الإغراء بالجهل ؛ لأنّ من صفات الإمام أن يرعى رعيّته كما يرعى الراعي الأغنام ويذودهم عن مراتع الهلاك وموارد الحِمام ، على أنّه لا وجه للاعتراض ؛ لأنّهم لم يأمرونا باتّباع مَنْ يجوز عليه الخطأ ، وهو مَنْ يأخذ بالقياس والاستحسانات والآراء.
ثمّ إنّ ما ذُكر من الجواب عن الإشكال فإنّما يجري على اصطلاح المحدِّثين الأبدال مطلقاً أُصولاً وفروعاً ، ويدخل فيه غيرهم في المسائل المنصوص عليها ، وأمّا على الاصطلاح المتأخّر في معنى الاجتهاد في المسائل والفروع الاجتهاديّة ، فهو إنّما يتمّ على مذهب المصوّبة القائلين بأنّ أحكام الله تابعة لظنّ المجتهد ، وأنّ كلّ مجتهد مصيب ، والأخبار في ردّه كثيرة :
ومنها : المرويّ عن أمير المؤمنين عليهالسلام المتضمّن لحال القضاة ، حيث قال عليهالسلام : « تَرِدُ على أحدهم القضيّةُ في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه ، ثمّ تَرِدُ تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجتمع القضاةُ بذلك عند الإمام الذي استقضاهم ، فيصوِّب آراءهم جميعاً ، وإلهُهُم واحدٌ! ونبيُّهم واحدٌ! وكتابُهم واحدٌ! أفأمَرَهُمُ اللهُ بالاختلاف فأطاعوه ، أم نهاهُم عنه فعصوه؟!
__________________
(١) رجال الكشّي ٢ : ٦٢٣ / ٦٠٤ ، الوسائل ٢٧ : ١٤٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٣٠.
(٢) رجال الكشّي ١ : ٣٨٣ / ٢٧٣.
(٣) رجال الكشي ٢ : ٧٧٩ / ٩١٠ ، و: ٧٨٤ / ٩٣٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٤٧ ١٤٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٣٣ ، ح ٣٤.