أم أنزل اللهُ عليهم ديناً ناقصاً فاستعَانَ بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاءَ له ، فلَهُم أن يقولوا ، وعليه أنْ يرضى؟! أم أنزل الله ديناً [ تاماً (١) ] فقصَّر الرسولُ صلىاللهعليهوآله عن تبليغه وأدائه؟! والله تعالى يقول ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) (٢) وفيه تبيان كلّ شيء ، وذَكرَ أنّ الكتاب يُصدِّق بعضه بعضاً ، وأنّه لا اختلاف فيه ، فقال عزوجل ( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (٣). وإنّ القرآن ظاهره أنيقٌ ، وباطنه عميقٌ ، لا تفنى عجائبُه ، ولا تنقضي غرائبُه ، ولا تنكشف الظلمات إلّا به » (٤) انتهى كلامه ، عليه صلوات الله وسلامه.
وهو صريح في نفي ما قرّروه وهدم ما أسّسوه مع ما يلزمه من اجتماع المتناقضين أو المتناقضات في حكم الواحد والوقت الواحد.
وقد استدلّوا على وجوب اتّباع ظنّهم بقضية شعريّة غير شرعيّةٍ ، وهي : هذا ما أدّى إليه ظنّي ، وكلّ ما أدّى إليه ظنّي فهو حكم الله في حقّي وحقّ مَنْ قلّدني ، وسخافته لا تخفى.
أمّا قوله : ( هذا ما أدّى إليه ظنّي ) ، فأخبار عن وجدانه لا طريق لمعرفة صدقه وكذبه ، فهو محض دعوى بلا دليل ، بل قام على خلافه الدليل ، كما قال السيّد والشيخ ٠ (٥) : إنّ الظنّ محال أنْ يكون له مجال في الشريعة. ومن أنّ الأمارة ليست مفيدة للظنّ فضلاً عن العلم ، على أنّ ما هو وجداني هو مطلق الرجحان لا الظنّ الذي هو رجحان خاصّ ؛ لأنّه ليس وجدانيّاً بل حصوله محتاج لبيّنة ، ومطلق الرجحان أعمّ من الاعتقاد الذي هو الظنّ ، والأعمّ لا يدلّ على الأخصّ.
وأمّا قوله : ( وكلّ ما أدّى إليه ظنّي فهو حكم الله في حقّي وحقّ مَنْ قلّدني ) فمثل سابقه في الخلوّ من الدليل ومخالفته لقاطع الدليل ، لما تقرّر في الآيات القرآنيّة والأخبار المعصوميّة من عدم جواز العمل بالظنّ في الأحكام الشرعيّة ، فإنْ صحّت
__________________
(١) في المخطوط : ( ناقصاً ) ، وما أثبتناه من المصدر.
(٢) الأنعام : ٣٨.
(٣) النساء : ٨٢.
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ١٨ ، الاحتجاج ١ : ٦٢٠ / ١٤٢ ، البحار ٢ : ٢٨٤ / ١.
(٥) رسائل الشريف المرتضى ٤ : ٣٣٧ ، العدة ١ : ١٧ ، هداية الأبرار ( الكركي ) : ٦ ، نقلاً عن السيد والشيخ.