المشيّدين لأركان الدين هالكون ، فلا يرد علينا تشنيع بعض المخالفين من المسلمين ، بأنّ الخلاف كما وقع بين الفقهاء الأربعة وقع بين المجتهدين والأخباريّين ؛ إذ لا نزاع بيننا في أُصول الدين ، ولا مانع من الرجوع عندنا إلى الطرفين ) (١) .. إلى آخر كلامه ، زيد في إكرامه.
والظاهر أنّه أراد به معاصره الميرزا محمّد الهندي النيسابوري المعروف بالأخباريّ (٢) وأتباعه المعروفين ، الذين يأنفون من التسمية بالمجتهدين ، فلقد صدر بينه وبينه من الشتم والسباب والقدح في المذهب والأنساب ما لا يليق بأحد المتدينين ، فضلاً عن الطلّاب ، فضلاً عن العلماء الأنجاب المتمسكين بعروة السنّة والكتاب. حتى أدّى ذلك إلى التكفير والحكم بحل الدماء ، حتى فشا ما فشا من الفتنة الصماء والمصيبة العظمى.
إذ قد جرت مكاتباتهما (٣) في ذلك ومحاوراتهما فيما هنالك إلى التشفي بالعداوة الدنيويّة ، والخروج عن طور البحث في المسائل الدينية ، فعظمت بذلك البليّةُ في جميع البريّة ؛ لاختصاص كلِّ واحد منهما بتلاميذ واتباع في سائر البلدان والأصقاع ، وشاع بينهم الاختلاف والنزاع ، فشابت على ذلك الآباء وشبّت عليه الأبناء ، لتناقلهم تلك الأفعال والأقوال خلفاً عن سلف ، وتذكّرهم آثار تلك العداوة والبغضاء التي ليس لأحد عنها منصرف ، فكل ما يصدر في هذه الأعصار خصوصاً في العراق ، خصوصاً في الجزائرية من التشنيع بالاصوليّة والأخباريّة مراد به الأفراد الشخصيّة لا الطبيعة الكليّة.
ألا ترى أنّ الميرزا محمد المذكور مع أنّه في الأخباريّة المتأخّرة هو المتأصّل المشهور الذي قد جرى بينه وبين الشيخ جعفر ما جرى من الأُمور ، قد أثنى على كثير من علماء الأُصول ، كالسيد المهدي الطباطبائي والمير السيد علي الطباطبائي ، مع
__________________
(١) الحق المبين ( مخطوط ) : ٢ ٣.
(٢) روضات الجنّات ٧ : ١٢٧.
(٣) روضات الجنات ٢ : ٢٠٣ ٢٠٦.