فنقول : إنّ بيان معنى الفقرة العالية الشريفة والدرّة الغالية الطريفة يتوقّف على بيان معاني اللفظة المنيفة ، ونهايةُ ما وقفتُ عليه من معانيها خمسةٌ :
الأوّل : ما صرّح به جمعٌ من النحويّين كالشيخ ياسين بن صلاح الدين (١) ، والسيوطي (٢) ، وزكريّا ، من أنّها بمعنى : ظُنَّ بضمّ الظّاء.
الثاني ، والثالث : ما صرّح به الفيروزآبادي في ( القاموس ) (٣) والحريري في ( درّة الغوّاص ) من أنّها بمعنى : ( احسُبْ ) و ( اعدُدْ ) القلبيّين.
الرابع : ما صرّح به ابن هشام في ( شرح الشذور ) (٤) وموضع من ( التوضيح ) من أنّها بمعنى : اعتقد.
الخامس : ما يظهر من عبارة الفيروزآبادي في ( القاموس ) وابن هشام في ( التوضيح ) والسيوطي في ( البهجة المرضيّة في شرح الألفيّة ) (٥) : من أنّها بمعنى : اجعل وصيّرْ ، ففي ( القاموس ) : ووهبني الله فداءك ، أي : جعلني (٦). وفي ( التوضيح ) بعد أنْ عدّ وهبَ من أفعال التصيير ، مثّل له بقولهم : وهبني الله فداءك (٧). ومثله قال السيوطي في ( البهجة المرضيّة ) (٨).
إلّا إنّ في الأخير إشكالاً ، وهو أنّ ابن هشام في ( التوضيح ) (٩) صرّح بأنّ ( وهب ) بمعنى جعل غير متصرّف ، فلا يشتقّ منه أمرٌ ولا غيره.
ويمكن الجواب عنه بأنَّ قصارى ذلك عدم الوقوف عليه ، وهو لا يدلّ على
__________________
(١) عالم فاضل محقّق ، انتهت إليه رئاسة القضاء والحسبة الشرعيّة في بلاد البحرين ، له مصنفات كثيرة منها : معين النبيه على رجال مَنْ لا يحضره الفقيه ، الروضة العلية في شرح الألفية ، الفوائد العربية. أنوار البدرين : ٢٢١ ٢٢٣.
(٢) النهجة المرضيّة في شرح الألفية ١ : ١٥٦.
(٣) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو.
(٤) شرح شذور الذهب : ٣٦٢.
(٥) قال أبو طالب رحمهالله في الحاشية : المشهور أنّ ( البهجة ) بالباء الموحدة التحتانية ، وهي في اللغة بمعنى : الحُسنْ والسرُور ، وقال الشيخ المحشي : هي بالنون وهي في اللغة بمعنى : الطريق. النهجة المرضيّة في شرح الألفيّة ١ : ١١.
(٦) القاموس المحيط ١ : ٣٠٥ باب الباء / فصل الواو.
(٧) أوضح المسالك ( التوضيح ) ١ : ٣١٣.
(٨) النهجة المرضيّة في شرح الألفية ١ : ١٥٧.
(٩) أوضح المسالك ١ : ٣١١ ـ ٣١٣.