إلى كرامة الخلّاق ؛ لأنّ المحبّ المقبل بشَراشرِهِ (١) على المحبوب ، والمستغرق بكلّيّته في يمّ الشوق الكلّيّ من أرباب القلوب يجعل أعظم العذاب البُعْد عن المحبوب ، ولا يحسّ بما يعرض عليه من الآلام والحوادث النفسانيّة والأعراض والأمراض الجسمانيّة ؛ لاشتغالِهِ بما يكابدُه من بُعْدِهِ عن المحبوب الذي يجعله أعظم الكروب ، حتّى إنّه يختارُ الموت في حياته ويُفْني ذاته في ذاته ، كما هو دأب الصادقين في المحبّة والمودّة ، ومَنْ جعل ذكر المحبوب زادَهُ وَورده وشهدَهُ ووردَه ، والشواهد عليه كثيرة وأدلّته غير عسيرة ، قال صفيّ الدين الحلّي :
تَبَّت يدي إنْ ثنتني عن زيارتكم |
|
بيض الصفاح ولو سدّت بها طرقي (٢) |
وقال قيس بن الملوّح المشتهر بمجنون بني عامر ، المعدود من الفصحاء والمنظوم في سلك البلغاء ، في قصيدة أنشدها لمّا سمع منادياً ينادي : يا ليلى. فأفاق مصفر اللون ، وقال :
دعا باسم ليلى غيرها فكأنّما |
|
أطار ببثّي طائراً كان في صدري |
عرضتُ على قلبي العزاء فقال لي |
|
من الآن فاجزع لا تملّ من الصبر |
إذا بان من تهوى وشطّ به النّوى |
|
ففرقةُ من تهوى أحرّ من الجمر (٣) |
وقال أيضاً :
أناخ هوى ليلى بقلبي فجاءةً |
|
ومَنْ ذا يطيقُ الصّبر عن مَحْمَدِ الحب |
وقال أيضاً :
بنفسي ليلى من عدوّ وماليا
وقال أيضاً :
__________________
(١) الشَّراشِرُ : الأثقال ، الواحدة شُرشُرة ، يقال : ألقى عليه شراشره ، أي : نفسه حرصاً ومحبة. لسان العرب ٧ : ٧٩ شرر.
(٢) ديوان صفيّ الدين الحلّي : ١٠٧.
(٣) ديوان مجنون ليلى : ١٠٨.