ولعمري لقد زاد
في ذكر محبوبه على عنترة وغيره ؛ لأنّ فعله صدّق دعواه.
وحكى الشيخ
البهائي رحمهالله في حاشيته على تفسير البيضاوي عن بعض العارفين : أنّه
كان في جواره رجل يهوى جارية له فمرضت ، [ فبينما ] هو ذات يوم
يصنع لها طعاماً إذ سقطت المغرفة من يده في القدر ، وهو في أقوى غليانه ، فأخذ
يحرّك الطعام بيده حتى تساقط لحم أصابعه ولكنه لا يشعر بذلك.
ويكفي في ذلك
ما حكاه الله في القائلين في محكم الذكر المبين عن النساء اللّواتي أدهشهنّ جمال
يوسف الصديق ، حيث قال ( فَلَمّا رَأَيْنَهُ
أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) ، الآية ، فإنَّ فيه بيان الحقّ الحقيق ، ألا ترى
أنّهنّ لمّا غلب على قلوبهنّ جمال بشر مثلهنّ أفضى بهنّ الحال إلى فقد شعورهنّ حتى
قطّعن بالسكاكين أيديهنّ.
فإذا كان هذا
حال العاشقين لأمثالهم من المخلوقين فما ظنّك بالسالكين إلى الله والراغبين عمّن
سواه والتامّين في محبّة الله تعالى ، خصوصاً الواصلين لرتبة الفناء ، والذائقين
من ثمار المحبّة أفضل الجَنى ، القاطنين في رياض القدس ، والقاطفين من حدائق الانس
، والخالعين للنّفس.
ولا شكّ أنّه عليهالسلام فاز من تلك المراتب بأعلاها ، وحاز من تلك الرغائب
أغلاها ، ولَبِسَ منْ تلك الحلل أحلاها وأضفاها ، ونهل من تلك الموارد أهناها
وأصفاها ، بل لعمري أنّه العنوان لتلكَ الرقوم والأصل لتلك الرسوم ، والطود لذلك
الطور والكتاب المسطور والرقّ المنشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر
المسجور.
ولهذا ورد أنّه إذا
أُريد نزع السهام منه عليه أفضل السلام انْتُظِر به الشروع في عبادة الملك العلّام
؛ لعدم إحساسه حينئذٍ بتلك الآلام. فحقّ له في أنْ يجعل تلك المشاق أهون من البعد
عن حضرة الخلّاق والنهل من كأس قربه العذب المذاق ،
__________________