وإلى الله المرجعُ والمَساقُ.
فإن
قيل : قد قلتم : إنّ
لفظ الحسيب والعليم مشتقّان من الأفعال القلبيّة ، والله سبحانه منزّه عن الجارحة
الظاهريّة والباطنيّة ، كما قامت عليه الأدلّة العقليّة والنقليّة ، فكيف يجوز
إطلاقها على رَبّ البريّة؟
قلتُ
: الجواب عن ذلك
من وجهين :
أمّا
الأوّل : فهو ما صرّح
به غيرُ واحدٍ من المحقّقين من : ( أنّ أسماء الله جَلّ شأنه وعظُم برهانه أنّما
تطلق عليه باعتبار الغايات التي هي الأفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات ) .
فوصفُهُ
بالرحمن والرحيم واللطيف والعليم والقادر والحكيم أنّما هو بالنظر إلى غاياتها ،
أعني : إفاضة الخير على المرحومين ، والعلم على العالمين ، وهبته القدرة للقادرين
، وعلمه بالشيء اللطيف وخلقه للشيء اللطيف ، كما يستفاد ذلك من الخبر الشريف ، وقس على ذلك
سائر الصفات العُليا ، والأسماء الحسنى ، ولهذا قيل : ( خذوا الغايات واحذفوا
المبادئ ).
وأمّا
الثاني : فهو ما قاله
المحقّقُ العارف الملّا صدر الدين الشيرازي ، حيث قال بعد تحقيق الرحمة على متعارف
الجمهور ما لفظه :
( وإذا أُطلق
بعض هذه الصفات على الله فلا بدّ أنْ يكون هناك على وجه أعلى وأشرف ؛ لأنّ صفات
كلِّ موجود على حَسَب وجوده ، فصفات الجسم كوجوده جسمانيّة ، وصفات النفس نفسانيّة
، وصفات العقل عقلانيّة ، وصفات الله إلهيّةٌ إلى أنْ قال وبالجملة ، العوالم
متطابقة ، فما وجد من الصفات الكماليّة في الأدنى يكون في الأعلى على وجه أرفع
وأشرف وأبسط. فافهم هذا التحقيق واغتنم ، فإنّه عزيزٌ جدّاً ) انتهى كلامُه
، زيد إكرامُه.
__________________