بكيف ، على حدّ قوله تعالى ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ) (١) الآية في موضع جزم على الجواب ، ولهذا قُرنت بالفاء الرابطة المقترنة بما له صدر الكلام ، وهو أحد المسائل الستّ التي تتعيّن فيها الفاء للرّبط ، على حدّ قول الشاعر :
فإنْ أهلك فذي حنقٍ لظاهُ |
|
عليّ يكاد يلتهب التهابا (٢) |
حيث دخلت على ( ربّ ) مقدّرة ، وقد تقرّر أنّ لها الصدريّة.
وقد وقع الخلاف في الجازم المقتضي للجواب في مثل هذا التركيب ، فالجمهور (٣) على أنّه بأداةِ شرطٍ مقدّرة هي وفعل الشرط ، فتقديره هنا : فإنْ تعلمني صابراً فكيف أصبر؟! والخليل وسيبويه (٤) على أنّه نفس الطلب ، لتضمّنه معنى ( إنْ ) الشرطيّة ، كما جزمت أسماء الشرط لتضمّنها معناها. واختاره أيضاً ابنُ هشام في شرح قطره (٥).
والفارسي والسيرافي (٦) على أنّه الطلبُ ؛ لنيابته عن الشرط المقدّر ، كما نصب ( ضرباً ) في ( ضرباً زيداً ) لنيابته عن اضرب لا لتضمّنه معناه.
وتفصيلُ الكلام في هذا المقام موكولٌ إلى المطوّلات بالنقض والإبرام. ونظيرُ هذه الفقرة الشريفة في هذا الإعراب قوله تعالى ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٧).
والكلام على الفقرة الثانية إعراباً ومعنًى يعرفُ من الكلام على الأولى ، والله العالم العاصم.
__________________
(١) البقرة : ٢٨.
(٢) مغني اللبيب ١ : ٢١٨ ، شرح شواهد المغني : ٤٦٦ ، وفيهما : ( لهب ) بدل ( حنقٍ ) ، خزانة الأدب ١٠ : ٢٦.
(٣) مغني اللبيب ١ : ٢٩٩.
(٤) مغني اللبيب ١ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع ٢ : ١٥.
(٥) قطر الندى وبلّ الصدى : ٨٠.
(٦) مغني اللبيب ١ : ٢٩٩ ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع ٢ : ١٥.
(٧) آل عمران : ٣١.