الذوات والصفات والأعمال والاعتقادات ، حتّى إنّ أعداءهم عادَوا شيعتهم وسعَوا بكلّ مكروه إليهم ، وما المسبِّبُ لذلك إلّا متابعتهم لأئمّتهم وانتسابهم لهم في فرعهم وأصلهم وقُلِّهم (١) وجلّهم ، لا جرم تكرّموا عليهم بحمل أثقالهم وما أصابهم من لطخ أعدائهم.
ولهذا جعلوا عليهمالسلام بغض الشيعة معيار الناصب والميزان الفارق بين الصادق والكاذب ، كما رواه الصدوق في ( العلل ) عن ابن سنان ، و ( المعاني ) عن ابن خُنَيْس كلاهما عن الصادق عليهالسلام ، قال : « ليس الناصبُ مَنْ نصب لنا أهل البيت ، لأنّك لا تجد أحداً يقول : إني أبغضُ محمّداً وآل محمّد. ولكنّ الناصبَ مَنْ نَصَبَ لكم ، وهو يعلم أنّكم تتولّوننا (٢) وتتبرّءون من أعدائنا » (٣).
وهو ظاهر لُاولي الأبصار ، كالنار على الأطوار.
ومنها : أنّهم عليهمالسلام لمّا كانوا في غاية القرب من ذي الجلال ، وكانت ذواتهم متعلّقة بالملإ الأعلى ومشاهدة ذلك الجمال والكمال ، وجوارحهم مملوءة بخوفه ، وجوانحهم مشغولة بذكره ومستغرقة بطاعته وخشيته ، فهم أبداً مخلصون بالانقطاع إليه ومقبلون بكلّهم عليه ، كانوا متى انحطّوا عن تلك الرتب العلويّة إلى الاشتغال باللوازم البشريّة السفليّة من المباحات اللّابديّة جعلوه ذنباً وخطيئة واستغفروا منه رَبّ البريّة ، كما أنّ الأقربين إلى الملك لو اشتغلوا وقت مجالسته إلى غيره من رعيّته لعدّوا ذلك تقصيراً واستغفروا منه كثيراً ، فما ظنّك بأفقر الفقراء وأطوع العبيد بالنسبة إلى ملك الملوك المولى المجيد ، ويدلّ عليه قوله صلىاللهعليهوآله : « حسناتُ الأبرارِ سيّئات المقرّبين » (٤).
ومنها : أنّهم عليهمالسلام عرفوا الله حقّ معرفته ؛ إمّا بالنسبة إلى غيرهم مِنْ خليقته ولو كانوا من أقرب ملائكته ، أو باعتبار إقرارهم مع عظم شأنهم بالعجز عن إدراك كنه هويّته ؛
__________________
(١) القُلُّ : خلاف الكُثْرِ. لسان العرب ١١ : ٢٨٧ قلل.
(٢) علل الشرائع ٢ : ٣٢٧ / ٦٠.
(٣) معاني الأخبار : ٣٦٥ / ١.
(٤) كشف الخفاء ١ : ٣٥٧ / ١١٣٧ ، ونسبه لبعض الصوفية ، وأنكر كونه حديثاً.