نعم قد يشكل الحال في هذا الأصل من جهة أنّ الاجتهاد والتمكّن منه قد يسبقه التقليد بل هو الغالب ، بل ما لم يسبقه التقليد مجرّد فرض وتجويز عقلي وإلاّ فالواقع باعتبار الخارج هو المسبوق بالتقليد ، فيكون محلّ البحث ممّن خرج عن الأصل قبل ما بلغ رتبة الاجتهاد ، وإجراء حكم الأصل فيه لبلوغه رتبة الاجتهاد يقتضي عوده إلى الأصل الّذي فرض خروجه عنه ، وهذا ممّا لا دليل عليه.
والحاصل : أنّ المفروض ممّا أخرجه الدليل عن الأصل قبل بلوغه تلك الحالة ، فما الّذي يوجب عوده إليه بعد بلوغه إيّاها؟ بل الأصل يقتضي عدم العود.
ومن هنا تمسّك جماعة من المجوّزين للتقليد له باستحباب جوازه الثابت له قبل بلوغه لتلك الحالة.
لكن يدفعه : أنّ الأحكام تتبع موضوعاتها الكلّية الملحوظة في القضيّة عنوانا للحكم لا المصاديق الشخصيّة المندرجة تحت تلك الكلّيّات ، فالشخص المفروض من حيث هو شخص لم يؤخذ عنوانا لحكم التقليد لا من حيث الجواز ولا من حيث خلافه ، بل جريان الجواز في حقّه إنّما هو من جهة اندراجه في عنوان الغير المتمكّن من الاجتهاد ، كما أنّ جريان عدم الجواز في حقّه من جهة اندراجه في عنوان المتمكّن من الاجتهاد ، وهذان عنوانان كلّيان أوّلهما مخرج عن الأصل بدليل أنّ مناط الحكم بجواز التقليد هو قضاء الضرورة به وحصول الاضطرار إليه من جهة تعذّر الاجتهاد فيكون ثانيهما باقيا تحته ، والمكلّف إذا طرأه حالتان يندرج لإحداهما في العنوان الأوّل ولاخراهما في العنوان التالي لزم أن يتوارد عليه الحكمان الجواز وعدمه على سبيل التعاقب لمجرّد اندراجه تارة في العنوان الأوّل واخرى في العنوان الثاني ، فعدم جواز التقليد له بعد بلوغه رتبة الاجتهاد ليس من باب العود إلى الأصل بعد خروجه عنه ليحتاج إلى الدليل ، وبذلك يتبيّن لك وجه دفع الاستصحاب المشار إليه الّذي تمسّك به جماعة للجواز.
وملخّصه : أنّ الاستصحاب مع تبدّل الموضوع ممّا لا معنى له ، وإجراء حكم عنوان في عنوان آخر مغاير له في الحكم غير معقول.
وبهذا البيان يظهر أنّ شرط جواز التقليد عدم التمكّن من الاجتهاد ، فيكون شرط حرمته هو التمكّن منه ، ووجهه ـ على ما بيّنّاه ـ : أنّ مقتضى العمومات المحرّمة للتقليد حرمته إلاّ ما خرج عنه بالدليل ، والقدر المتيقّن ممّا خرج منه ما يتأتّى من غير المتمكّن من الاجتهاد.