وأمّا هو من المتمكّن من الاجتهاد فلا دليل على خروجه فيكون باقيا تحت العموم لأصالة عدم التخصيص.
فبجميع ما ذكر يعلم أنّ المعتمد في المسألة هو القول بتعيّن الاجتهاد وعدم جواز التقليد له مطلقا ، ودليله القاعدة المتقدّم ذكرها مع الأصل الّذي مرجعه إلى أصالة العموم وأصالة عدم التخصيص.
مضافا إلى ما علم أيضا من أنّ جواز الاكتفاء بالاجتهاد إجماعيّ والاكتفاء بالتقليد خلافيّ ، فقضيّة الإجماع في الأوّل العلم بكون مؤدّيات الاجتهاد أحكاما فعليّة يجب التديّن بها والأخذ بها في امتثال أحكام الله المعلومة بالإجمال.
وقضيّة الخلاف في الثاني الشكّ في كون مؤدّيات التقليد أحكاما فعليّة وعدمه.
ومن القبيح في حكم العقل الإقامة على الشكّ والتديّن بالمشكوك مكان الإقامة على العلم والتديّن بالمعلوم ، وقد ورد في النصوص ما يقضي بذلك أيضا كما تقدّم من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من شكّ أو ظنّ فأقام على أحدهما فقد حبط عمله ، إنّ حجّة الله هي الحجّة الواضحة » وقوله عليهالسلام : « ومن عمى نسى الذكر واتّبع الظنّ وبارز خالقه » ولعلّه إلى هذا المعنى يرجع ما عن الشيخ في العدّة من الاحتجاج على القول المختار بقوله : « إنّما قلنا ذلك لأنّ قول المفتي غاية ما يوجبه غلبة الظنّ ، وإذا كان له طريق إلى حصول العلم فلا يجوز له أن يعمل على غلبة الظنّ على حال » وفي معناه ما عن المعارج من الاستدلال : « بأنّ تحصيل العلم في حقّه ممكن ».
وقد تقدّم نظيره في المسألة السابقة ، وعليه فلا وجه لما في مفاتيح السيّد من المناقشة في هذا الدليل بقوله : « وفيه نظر لأنّه إن اريد أنّ العقل يمنع من العمل بغير العلم في صورة التمكّن من العلم فهو ممنوع ، كيف وقد جوّز الشارع العمل بغير العلم مع التمكّن من العلم في مقامات كثيرة :
منها : ما إذا شكّ في ملكيّة ما في يد المسلم ، فإنّه جوّز العمل بظاهر اليد ولم يوجب البحث والاجتهاد مع التمكّن منهما.
ومنها : ما إذا شكّ في نجاسة الثوب والبدن ، فإنّه جوّز البناء على الطهارة ولم يوجب البحث والاجتهاد مع التمكّن منهما.
ومنها : ما إذا شكّ في صدق المدّعي ، فإنّه اكتفي منه بالشاهد ولم يوجب البحث