لكن نقول : إنّ المزيّة هنا موجودة وهي في جانب الامتثال الاجتهادي فيكون متعيّنا بحكم العقل.
وبيانه : أنّ العقل بعد تعذّر الامتثال العلمي التفصيلي لا يقضي بتعيّن شيء من الاجتهاد وغيره أوّلا وبالذات ، وإنّما يقضي بتعيّن ما هو أقرب إلى الامتثال العلمي التفصيلي ممّا لا يفضي إلى المحذور الّذي كان أفضى إليه الامتثال العلمي التفصيلي ولا غيره على وجه لم يتخلّل بينهما واسطة ، بأن يكون في القرب إليه مع اعتبار عدم إفضائه إلى المحذور بحيث لو تعدّينا إلى مرتبة فوقه وقلنا باعتبار تلك المرتبة كانت مفضية إلى المحذور ، سواء كانت هي نفس العلم التفصيلي أو ما دونه ، وذلك لأنّ المسقط لاعتبار العلم التفصيلي هو هذا المحذور فلابدّ وأن يتعيّن ممّا دونه ، ما ينتفي عنه المحذور ، ولا يجوز في حكم العقل التنزّل إلى ما تحته وهو ليس كما فوقه مفضيا إلى المحذور ، فالحكم نفيا وإثباتا دائر مدار المحذور وجودا وعدما.
ومن هنا كان المتعيّن في حكم العقل بعد تعذّر العلم التفصيلي الأخذ بمقتضى العلم الإجمالي ، وحيث كان اعتبار ذلك أيضا منفيّا بحكمه أو بحكم الشرع يتنزّل العقل إلى مرتبة تحتهما لا يستلزم محذوريهما بلا توسّط مرتبة اخرى بينها وبينهما إلاّ مرتبة استلزمت محذوريهما أو محذورا ثالثا ، ولأجل هذه القاعدة ترجّح عندنا في العمل بالظنون الاجتهاديّة لزوم الأخذ بما هو أقرب إلى العلم المعبّر عنه بالظنّ المتاخم بالعلم.
وإن شئت عبّر عنه بالظنّ الاطمئناني ، وهو الّذي يوجب الوثوق وسكون النفس إن لم يستلزم مراعاة تحصيله محذور العسر والحرج أو تعطيل الأحكام المخرج عن الدين.
وإذا تمهّد ذلك فنقول : إنّ الأقرب إلى الامتثال العلمي بكلا قسميه إنّما هو الامتثال الاجتهادي الّذي يتأتّى بسبب الأخذ بمؤدّيات الاجتهاد من غير استلزامه محذوريهما ولا محذورا ثالثا على ما هو مفروض المقام ، وذلك لما يحتمل في الامتثال التقليدي الّذي يتأتّى بسبب الأخذ بفتاوى مجتهد آخر من المبعّدات عن الواقع ما لا يحتمل فيه ، وذلك لأنّ فتاوى نفسه مع فتاوى هذا المجتهد وإن كانا يتشاركان في احتمال الخطأ في أصل الاجتهاد غير أنّ فتاوى المفتي تفارق فتاوى نفسه في احتمال الخطأ والسهو والنسيان والكذب في مقام الإفتاء الصادر من هذا المفتي كما شاهدنا طروّ أكثر هذه الامور لكثير ممّن عاصرناهم من المفتين كثّر الله أمثالهم.