ولا ريب أنّه لا يجري شيء من هذه الاحتمالات في حقّ نفسه.
هذا مضافا إلى ما يحتمل في حقّ غيره في بعض الأحيان من عدم أهليّته للفتوى في نفس الأمر إمّا بفقدانه الملكة أو العدالة أو غير ذلك من شروط الاجتهاد والامور المعتبرة في المفتي بخلاف نفسه بحسب اعتقاده.
ومن الواضح البديهي أنّ ذلك مرجّح عقليّ ، على معنى أنّ العقل بعد التنزّل عن المرتبتين المتعذّرتين لا يحكم إلاّ بتعيّن ما لا يجري فيه هذه الاحتمالات أو ما كان أقلّ احتمالا ، وليس ذلك إلاّ الامتثال الاجتهادي.
وقد ورد في النصوص أيضا ما يقضي باعتبار الترجيح من هذه الجهة كما في مقبولة عمر بن حنظلة من قوله عليهالسلام : « خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذّ النادر ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » بناء على أنّ المراد بالريب المنفيّ عن المجمع عليه هو الريب الإضافي لا سنخ الريب ، على معنى أنّه لا يجري في المجمع عليه من الريب ما هو جار في الشاذّ النادر وإن شارك هو معه في جريان ريب آخر غير هذا الريب على ما هو الحقّ الّذي يأتي تقريره إن شاء الله في محلّه.
وممّا يؤيّد هذا الوجه القاضي بتعيّن الاجتهاد أيضا أنّ الرجوع إلى فتاوى الغير وأخذها أحكاما فعليّة يتديّن بها مع التمكّن من تحصيلها استقلالا بطريق الاجتهاد يشبه بكونه من باب مسألة الناس ممّا في أيديهم من الأموال مع التمكّن من تحصيل مثله أو ما هو أحسن وأتمّ منه فائدة ، وهذه خصلة ربّما يعدّ من التزم بها في نظر العقلاء من السفهاء من حيث إنّها تنشأ من دنائة الطبع وخسّة الرأي وقصور الهمّة ، ولذا تراهم لا يتحمّلونها من غير ضرورة دعت إليها.
وإلى ما ذكرناه من اعتبار الترجيح ينظر ما احتجّ به العلاّمة في التهذيب على القول المختار بقوله : « والأقرب المنع ، لأنّه متمكّن من تحصيل الظنّ بطريق أقوى فيتعيّن عليه ، ووجه القوّة جواز تطرّق الكذب على المفتي » انتهى.
لكن ينبغي أن يحمل الكذب في كلامه على ما يعمّ الخطأ والسهو والنسيان وغيره.
وقرّر السيّد الشارح هذا الوجه بوجه أوضح فقال : « إنّه متمكّن من تحصيل الحكم بطريق أقوى وهو الاجتهاد ، فتعيّن عليه فعله.
أمّا الأوّل : فلأنّه مقدور ، إذ التقدير أنّه مجتهد قادر على الاجتهاد ، وإنّما قلنا إنّ الظنّ