الحاصل من الاجتهاد أقوى من الظنّ الحاصل من تقليد غيره من المجتهدين فلأنّ الظنّ الحاصل من تقليد المجتهد المغاير له متوقّف على صدق ذلك المجتهد في أنّ ما أخبر به هو الّذي أدّى إليه اجتهاده وهو ظنّي ، بخلاف الظنّ الحاصل من اجتهاد نفسه.
وأمّا الثاني : فلأنّ العمل بأقوى الظنّين المستندين إلى طريقين مشروعين واجب إجماعا » انتهى.
نعم إنّما يغاير لما فصّلناه من حيث اعتبار التقليد من حيث الظنّ وهو خلاف التحقيق ، ومن حيث جعل مستند ترجيح الأقوى هو الإجماع دون العقل ، فالمطلب واحد بنوع من التأويل كما عرفت.
وأمّا ما في مفاتيح السيّد من الاعتراض عليه ـ تارة : بأنّه قد يحصل الظنّ الأقوى بالحكم الشرعي من فتوى الغير ، بل قد لا يحصل له الظنّ به بمجرّد نظره واجتهاده.
واخرى : بأنّ العمل بأقوى الظنّين إنّما يجب بعد تحقّقهما ، ولذا يجب على المجتهد بعد اجتهاده العمل بظنّه وترك التقليد ، وليس هذا من محلّ البحث لأنّ الظنّ الأقوى لم يكن حاصلا.
نعم يقدر على تحصيله ولا نسلّم وجوب تحصيل الظنّ الأقوى مع وجود الأضعف ، كيف وقد جوّز الشارع في مقامات كثيرة العمل بغير العلم وترك تحصيله مع التمكّن منه ـ فليس في محلّه ، وهذا من مفاسد قلّة التأمّل في تحقيق المسائل النظريّة.
ثمّ إنّهم ذكروا على القول المختار أدلّة اخر كلّها واضح الضعف.
منها : ما أشرنا إليه وإلى ضعفه من كون التقليد بدل الاجتهاد جوّز ضرورة إلخ.
ومنها : أنّه مأمور بالاجتهاد والاعتبار ولم يأت به فيكون عاصيا مأثوما.
ومنها : أنّه يتمكّن من الوصول بفكره إلى حكم المسألة فيحرم عليه التقليد كما في مسائل الاصول ، والجامع وجوب الاحتراز عن الخطأ المحتمل عند القدرة على الاحتراز.
ومنها : أنّه لو كان قد اجتهد وأدّى اجتهاده إلى حكم من الأحكام لم يجز له تقليد غيره وترك ما أدّى إليه اجتهاده ، فكذا لا يجوز له تقليده قبل الاجتهاد لإمكان أن يؤدّيه اجتهاده إلى خلاف رأي من قلّده.
ومنها : أنّه لو جاز لغير الصحابي تقليد الصحابي مع تمكّنه من الاجتهاد لجاز لبعض من المجتهدين أنّ يقلّد البعض ، ولو جاز لما كان لمناظراتهم فيما وقع بينهم من المسائل الخلافيّة معنى.