شرعا كونها منشأ لصحّة المستنبطات وصيرورتها أحكاما فعليّة يجب بناء العمل عليها شرعا ، فيكون النزاع في أمر شرعي.
لكن لا خفاء في سقوط أوّل الوجوه عن البين ، إذ لا كلام لأحد في ثبوت التسمية لكلا القسمين ، وهو ظاهر أكثر التعاريف ولا سيّما تعريف الزبدة ، ولذا صرّح الفاضل الجواد في شرح « الحكم » المأخوذ فيه بما صرّح (١).
ويكفيك شاهدا بذلك تقسيمهم المجتهد إلى المطلق والمتجزّي ، فإن أوهم بعض التعاريف اختصاصه بملكة الجميع فلا يلتفت إليه بعد ملاحظة أنّ الامور الاصطلاحيّة إنّما تثبت بما عليه الأكثر ولا اعتداد بما عليه الشاذّ الأندر.
وأمّا الوجهان الآخران فكلماتهم المتعرّضة لتشخيص موضع الخلاف مختلفة ، فالمعروف المصرّح به في كلام غير واحد أنّ النزاع في كلا المقامين وهو الأظهر.
وقد يخصّص الخلاف بمقام الاعتبار ويصرف عن مقام الإمكان ، ومنه ظاهر عبارة التهذيب قائلا : « والأقرب قبوله التجزّي ، لأنّ المقتضي لوجوب العمل مع الاجتهاد في جميع الأحكام موجود مع الاجتهاد في بعضها ، وتجويز تعلّق المجهول بالمعلوم يدفعه الفرض » انتهى.
ولعلّ السرّ فيه توهّم سخافة الخلاف في مقام التحقّق ، إمّا لعدم معقوليّة تجزّي الملكة كما قد يتوهّم ، أو لشذوذ المخالف وندور المنكر على وجه يعدّ إنكاره مدافعة للعيان ومكابرة للوجدان كما قيل.
وقد يعكس الأمر بتخيّل أنّ النزاع في اعتبار ظنّ المتجزّي على فرض حصوله على نحو ما يحصل للمطلق ليس على ما ينبغي ، إذ الظنّ بعد اعتباره لا يتفاوت فيه الحال بين كون الظانّ مطلقا أو متجزّيا ، بل الّذي يليق بأنّ ينازع فيه إنّما هو إمكان التجزّي ، على معنى إمكان حصول الظنّ في بعض المسائل لغير القادر على استنباط الجميع على نحو ما يحصل للمجتهد المطلق ، وهذا هو الّذي يظهر من بعض كلماتهم الآتية.
لا يقال : إنّ هذا يعطي دعوى كون النزاع في تجزّي الاجتهاد بحسب الفعل ولذا عبّر عنه بحصول الظنّ وعدمه ، لمكان قوله : « لغير القادر على استنباط الجميع » فإنّه يعطي كون مفروض الكلام في صاحب الملكة الناقصة الّذي هو المتجزّي في اصطلاحاتهم ، وعليه فلا بدّ
__________________
(١) راجع ص ١٨.