الحكم الشرعي من المأخذ ليس بمجرّد معرفة ذلك المأخذ ، إلاّ أن يراد منها معرفتها على وجه يتمكّن معه من إعماله المستتبع للتوصّل إلى مؤدّاه من الحكم الشرعي.
وكيف كان فمقصود المقام أن يحصل لمريد الاستنباط جميع ماله دخل في المسألة المجتهد فيها من معرفة دليلها ومبادئها عربيّة واصوليّة ورجاليّة وغيرها من المقدّمات القريبة أو البعيدة المأخوذة في الاستدلال عليها مع التمكّن من إعمالها ووضع كلّ موضعه اللائق به على وجه يختصّ جميع ذلك بمسألة أو مسألتين أو عدّة مسائل بحيث لم يكن عنده ممّا يتعلّق بسائر المسائل شيء ممّا ذكر ، أو كان مع عدم وفائه بحصول ما هو الغرض من معرفة أصل الحكم ، ومرجعه إلى قصور استعداده عن معرفة الحكم في باقي المسائل.
فبما شرحناه تبيّن أن ليس المراد بتجزّي الاجتهاد تبعّض الملكة التامّة الحاصلة بالقياس إلى جميع المسائل حتّى يقال : إنّها بعد حصولها أمر بسيط لا يتبعّض ، أو أنّها إذا كانت من مقولة الكيف فلا يقبل لذاتها قسمة ولا نسبة.
ولا أنّ المراد بقبولها التجزئة اشتمالها باعتبار الشدّة والضعف على مراتب ، فهي في بعض المراتب قويّة وفي بعضها الآخر ضعيفة وفي الثالث متوسّطة وليس ذلك إلاّ من جهة قبولها الزيادة والنقصان.
والمفروض أنّ من يقول بالتجزّي فيها يرجع كلامه إلى دعوى قبولها النقص على معنى كونها حيثما حصلت ناقصة.
حتّى يرد عليه : أنّ الاختلاف من هذه الجهة لا ينافي امتناع التجزّي حسبما يدّعيه أهل القول به من أنّ ملكة استنباط بعض الأحكام لا ينفكّ عن ملكة استنباط جميعها ، على معنى أنّ المتمكّن من استنباط البعض متمكّن من استنباط الجميع ، ومن لا يتمكّن من استنباط الجميع لا يتمكّن من استنباط البعض أيضا ، فلا يتفاوت الحال عنده بين فرض كونها في مرتبة القوّة أو الضعف أو المرتبة المتوسّطة بينهما ، إذ القوّة والضعف فيها بحسب المراتب ليست باعتبار عمومها لجميع المسائل أو اختصاصها بالبعض ، بل باعتبار الاختلاف فيما يترتّب عليها من حصول الاستنباط بسهولة أو صعوبة وعدم حصوله ، ومن التوصّل إلى الإدراكات الجزئيّة من جهتها بسرعة أو بطؤ وعدمه ، فإنّ الملكة المقتدر بها على الاستنباط أو على الإدراك الفعليّين كلّما قويت سهل الاستنباط وحصل الإدراك بسرعة وكلّما ضعفت صعب الاستنباط وحصل الإدراك ببطؤ ، وذلك إمّا من جهة تفاوت انسه بمقام