أحدهما : ما تعرّض له جمع من العامّة وأشار إليه الحاجبي في مختصره وفصّله بعض شارحيه في شرحه الموسوم بالبيان وهو : أنّه لو لم يتجزّ الاجتهاد لعلم المجتهد جميع الأحكام لوجوب تمكّنه من استخراج الجميع ، والتالي باطل. فإنّ مالكا مع علوّ شأنه في الاجتهاد لم يعلم الجميع ، لأنّه سئل عن أربعين مسألة فقال في ستّ وثلاثين منها : لا أدري.
وفيه : منع الملازمة تارة ، ومنع بطلان التالي اخرى ، إذ لو اريد بالعلم وقولهم : « لعلم المجتهد جميع الأحكام » العلم الفعلي بجميع الأحكام فالملازمة ممنوعة ، بناء على أنّ المانع إنّما يمنع تجزّي الملكة لا أنّه يعتبر فعليّة الجميع بل هذا ممّا لا قائل به ، بل بعضهم على ما سبق في بعض الكلمات المتقدّمة أحاله ، فحصول ملكة العلم بالجميع لا يستلزم العلم بالجميع فعلا.
ولو اريد به العلم الملكي بالجميع فبطلان التالي ممنوع ، إذ الحكاية المنقولة عن مالك إنّما تقضي بانتفاء فعليّة الجميع وهو لا يستلزم انتفاء ملكة الجميع ، مع توجّه المنع إلى كون الجواب بلا أدري من جهة انتفاء الفعليّة بالمرّة ، لجواز كونه لعدم تذكّره لمؤدّى اجتهاده الفعلي لبعد عهد ونحوه.
وبالجملة « لا أدري » في جواب المسألة لا يستلزم عدم الاستنباط فعلا في جميع المسائل ، لجواز طروّ نسيان المستنبط.
ولو سلّم فعدم استنباط الجميع لا يستلزم عدم التمكّن من استنباط الجميع لكون الاستنباط تدريجيّ الحصول فيحصل بمرور الدهور لا دفعة واحدة ، ولو سلّم فعدم التمكّن من استنباط الجميع لا يستلزم كونه لعدم ملكة الجميع ، لأنّها بالإضافة إلى الاستنباط الفعلي من باب المقتضي ، ولاقتضائه شروط وموانع فعدمه قد يستند إلى فقد المقتضي وقد يستند إلى فقد شرط اقتضائه وقد يستند إلى وجود مانع له ، وإنّما يكشف من انتفاء الملكة التامّة على الأوّل دون الأخيرين ، فالحكاية المذكورة لا تقضي بكون مالك متجزّيا على معنى كون ملكته ناقصة مقصورة على بعض المسائل ، لكون انتفاء فعليّة الجميع على فرض تسليمه قد يجامع الملكة التامّة وقد يجامع الملكة الناقصة فيكون أعمّ من جهات عديدة ، ولا يعقل دلالة الأعمّ على الأخصّ.
وثانيهما : ما نقله المصنّف وقرّره شارح المختصر في بيانه من : أنّه إذا اطّلع المستفرغ على أمارات مسألة فهو وغيره ـ أي المجتهد المطلق ـ سواء في تلك المسألة ، فكما يتمكّن