القوّة الناقصة والملكة الضعيفة » انتهى ملخّصا (١).
ويدفعه أوّلا : النقض بمجتهدين مطلقين أحدهما أعلم من صاحبه ، فإنّ قضيّة الوجه المذكور أن لا يجوز لغير الأعلم أن يأخذ باجتهاده حتّى يحصل له القوّة القويّة المساوية لقوّة الأعلم ، وهذا كما ترى ممّا لم يعهد القول به من أحد.
وثانيا : قد عرفت بما قرّرناه مرارا أنّ معيار التجزّي والإطلاق ليس بضعف القوّة وقوّتها بل بخصوص القدرة على الاستنباط وعمومها ، والعموم لا يستلزم كون الخصوص المندرج في ضمنه الموجود للمطلق بالقياس إلى مسألة أو عدّة مسائل أقوى من الخصوص المفارق الموجود للمتجزّي بالقياس إلى هذه المسألة أو المسائل ، وحينئذ فليفرض قوّتهما بالقياس إليها في مرتبة واحدة.
وثالثا : قد ذكرنا أيضا أنّ ظنّ المطلق على تقدير كونه أقوى بضعف احتمال الخطأ بالنسبة إليه في مقام الاجتهاد قد يطرأه باعتبار مقام الفتوى ما يوجب بعده عن الواقع ممّا لا يجري في ظنّ المتجزّي.
ورابعا : أنّ الظنّ الأقوى حيثما أمكن تحصيله من غير أدائه إلى محذور نفاه العقل أو الشرع وجب تحصيله ولو كان الظانّ هو المتجزّي ، نظرا إلى أنّ العبرة في أقوائيّة الظنّ بنفسه بالقياس إلى ظنّ آخر بكون احتمال المخالفة فيه أضعف منه في الآخر ، ضرورة أنّه كلّما ضعف هذا الاحتمال ـ الّذي يعبّر عنه بالاحتمال المرجوح اللازم في كلّ ظنّ ـ قوي الاحتمال الآخر المعبّر عنه بالاحتمال الراجح الّذي هو الظنّ إلى أن يبلغ مرتبة يغلب معه الاحتمال المذكور فيزول في جنبه الاحتمال المرجوح بالمرّة وهي مرتبة العلم بمعنى الجزم ، ومعنى أقوائيّة الظنّ كونه في مرتبة قريبة من مرتبة العلم ، وليس ذلك إلاّ بكون الاحتمال المرجوح الّذي هو احتمال المخالفة في أضعف مراتبه وبذلك يصير أحد الظنّين أقرب إلى العلم من صاحبه ، فإذا أمكن تحصيله للظانّ كائنا من كان وجب عليه التحصيل بلا إشكال ما لم يستتبع محذورا ، ومع العجز عنه يتعيّن عليه العمل بما أمكنه وحصل له ، ولا يسلّم كون الظنّ الحاصل لغيره بالنظر إليه أقوى في نظره ممّا حصل له نفسه ولو كان ذلك الحاصل لغيره بالنظر إلى نفس الأمر في مرتبة لو تعدّاها كان علما.
وتوضيح ذلك : أنّ ملاحظة القوّة والضعف في الظنّين اللذين دار الأمر بينهما أو
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٦٣٢.