والقول بأنّ غاية الأمر حينئذ هو جواز الاعتماد على ظنّه في بعض الفروض النادرة ممّا لا يمكن فيه مراعاة الحائط بشيء من وجوهها لمكان الضرورة وأين هذا من المدّعى؟
يدفعه : أنّ هذا عين المدّعى في مقابلة القول بتعيّن التقليد في حقّه مطلقا ، نظرا إلى أنّ حكم العقل بجواز الاعتماد على الظنّ ممّا لا يتأتّى إلاّ إذا قام الضرورة والاضطرار إليه ، ولذا ترى أنّ موضوعه ما يكون أقرب إلى العلم الغير المستتبع للمحاذير الّتي كان يستتبعها الأخذ بالعلم أو الاحتياط أو غيرهما ممّا احتمل كونه مرجعا.
وبالجملة الاحتياط ما لم يمنع وجوبه بالعقل أو الشرع لم يقم ضرورة إلى الأخذ بالظنّ حتّى بالنسبة إلى المطلق ومعه يمتنع من العقل تجويز العمل بالظنّ ، لما تقدّم ذكره مرارا من أنّ الامتثال العلمي ولو إجمالا مع إمكانه وعدم نهوض ما دلّ من الشرع على نفي اعتباره ممّا لا يجوز في حكم العقل العدول عنه ، وفرض الضرورة بالنسبة إلى المتجزّي إنّما يتأتّى إذا اتّفق اجتهاده فيما لا يمكنه الأخذ بالحائط فيه من المسائل ، وثبوت جواز اعتماده على هذا الاجتهاد يكفي في نقض مقالة المانع لرجوع كلامه إلى دعوى السلب الكلّي كما لا يخفى.
الحجّة الثانية
عموم ما دلّ على المنع من التقليد ، خرج عنه العامي الصرف الغير المتمكّن من الاجتهاد بالإجماع وغيره فيبقى الباقي الّذي منه المتجزّي بالنسبة إلى ما اجتهد فيه تحت العموم ، فيتعيّن عليه العمل باجتهاده حينئذ إذ لا قائل بغيره.
وقد تقدّم منّا عند تأسيس الأصل ما يقضي بضعف ذلك ، من حيث إنّ نظير هذا الكلام يجري بالقياس إلى الأخذ بالاجتهاد لاندراجه في عموم ما دلّ على المنع من العمل بالظنّ ، ولذا عورض بما في كلام غير واحد من أنّ التقليد كما أنّه خلاف الأصل وينفيه عموم ما ذكر فكذلك العمل بالظنّ أيضا خلاف الأصل وينفيه عموم آيات الذمّ على العمل به ، والعمل بالاجتهاد عمل بالظنّ.
غاية الأمر خروج المجتهد المطلق بالدليل ويبقى تحته الباقي الّذي منه المتجزّي.
وقرّره بعض الفضلاء : « بأنّه كما يمكن التمسّك بتحريم التقليد على جواز العمل بالظنّ إذ لا قائل معه بغيره ، كذلك يمكن التمسّك بتحريم العمل بالظنّ على جواز التقليد إذ لا قائل أيضا معه بغيره فيسقط الاحتجاج حيث لا ترجيح » (١).
__________________
(١) الفصول : ٣٩٧.