وقد يقرّر المعارضة : بأنّ حرمة التقليد ليس لخصوصيّة فيه بل لأجل كونه عملا بما وراء العلم ، ودليل المنع منه عامّ يشمل العمل بالظنّ أيضا ، ومن الممتنع الفرق بين أمرين متساويين بالمنع من أحدهما دون الآخر بدليل عامّ لهما في الدلالة على المنع.
وبعبارة اخرى : تخصيص العامّ بإخراج بعض الأفراد عنه بسبب دخول البعض الآخر فيه مع تساويهما في الاندراج تحته غير معقول ، وهذا ضعيف جدّا.
وأضعف منه ما في كلام بعض الأفاضل في دفع الاحتجاج أيضا من : « أنّه ليس فيما دلّ على المنع من التقليد ما يشمل تقليد المجتهد مع كمال ثقته وأمانته ووفور علمه وكونه بحسب الحقيقة حاكيا لقول الإمام بحسب ظنّه.
غاية الأمر أنّه لا دليل على جواز اعتماد المتجزّي على ذلك ، فلا يمكن الحكم ببراءة ذمّته بمجرّد ذلك ، وحينئذ فالدليل على المنع منه هو الدليل على المنع من الأخذ بالظنّ ، فليس على المنع من التقليد دليل خاصّ يلزم الخروج عن مقتضاه لو قلنا بوجوب الرجوع إليه ، بخلاف ما لو قلنا برجوعه إلى الظنّ فلا يتمّ ما ذكر في الاحتجاج » (١).
وجه الضعف : بطلان دعوى عدم الدليل على حرمة التقليد لخصوصيّة فيه ، كيف وفي الآيات ما هو صريح فيه كقوله تعالى في ذمّ الكفّار على تقليد آبائهم : ( ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ ) وقوله أيضا حكاية عنهم : ( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) كما في آية و ( مُهْتَدُونَ ) كما في اخرى.
والقدح في عمومها بحيث يشمل نظائر المقام ـ بعد القطع بأنّ الكفر وكون المقلّد بالفتح هو الآباء ممّا لا مدخل له في الحكم لكون الذمّ متوجّها إليهم من حيث اقتدائهم واهتدائهم وتطبيق عملهم في عباداتهم على ما لم يمضه الشارع ـ ليس في محلّه ، مع أنّ المنع من التقليد ليس لأمر يرجع إلى المقلّد بالفتح من مجتهد وغيره ليجدي في رفع شموله لتقليد المجتهد كمال ثقته وأمانته ووفور علمه ، بل لأمر قائم بأصل التقليد من حيث كون الأخذ به في امتثال أحكامه تعالى أخذا بما لم يحرز بالعقل كونه حكما واقعيّا ولا بالشرع كونه حكما فعليّا ظاهريّا.
ومن هنا يتّضح فساد ما في كلام بعض الأفاضل من دعوى كونه بحسب الحقيقة حاكيا لقول الإمام ، إذ لو اريد بقول الإمام ما هو ملزوم للحكم الواقعي فهو واضح المنع ، لعدم
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٦٤٤.