فاندراجه فيما دلّ على المنع من التقليد غير ظاهر بل الظاهر خلافه ، لدلالة الأدلّة الدالّة على المنع من العمل بالظنّ على عدم الاعتداد بظنّه فيندرج في الجاهل ويشمله ما دلّ على وجوب رجوعه إلى العالم » انتهى (١).
وفيه : أنّ الجاهل إن اريد به الجاهل بالحكم الواقعي فكما أنّ المتجزّي داخل في عنوانه فكذلك المطلق ، فعلم أنّه بمجرّده لا يوجب الرجوع إلى التقليد ، وإن اريد به الجاهل بالحكم الفعلي فالمتجزّي عالم بحكمه الفعلي المردّد بين مؤدّى اجتهاد نفسه أو مؤدّى اجتهاد غيره.
غاية الأمر أنّه لا يتعيّن عليه أحدهما إلاّ بمرجّح خارجي ، فكيف يشمله ما دلّ على رجوعه إلى العالم.
الحجّة الثالثة
أنّ جواز التقليد في الأحكام مشروط بعدم كون المكلّف مجتهدا فيها ، ضرورة عدم جواز تقليد المجتهد لغيره ، وحينئذ فإن قام دليل على عدم جواز رجوعه إلى ظنّه وعدم تحقّق الاجتهاد في شأنه فلا كلام.
وأمّا مع عدم قيامه ـ كما هو الواقع ـ فلا وجه لرجوعه إلى التقليد ، إذ لو كان هناك أمران مرتّبان بكون التكليف بأحدهما متوقّفا على انتفاء الآخر لم يصحّ الأخذ بالثاني مع عدم قيام الدليل على انتفاء الأوّل.
وفيه : أنّ هذه الدعوى إن كان مبناها على ما قرّرناه عند تأسيس الأصل فهي في كمال المتانة ـ وإن كان خلوّ العبارة عن الإشارة إلى وجهها خروجا عن ضابط الاستدلال ـ وإلاّ فهي في غاية الوهن ، ولذا قد تقلب بأنّ صحّة اجتهاده في المسألة وجواز رجوعه إلى ظنّه مشروط بأن لا يكون وظيفته التقليد ، ضرورة أنّه ليس الرجوع إلى الأدلّة من وظيفة المقلّد إلى آخر ما ذكر ، فمجرّد اشتراط جواز تقليده مع انتفاء اجتهاده لا يفيد تقدّم الآخر بحسب التكليف على الوجه المذكور.
كيف ومن البيّن أنّ وجود كلّ من الضدّين يتوقّف على انتفاء الآخر ، ومع ذلك فلا ترتّب بينهما كذلك ، وإلاّ لزم حصوله من الجانبين وهو غير معقول ، بل في كلام العلاّمة البهبهاني : « أنّ فرض من لا يعلم الرجوع إلى من يعلم والأخذ منه لعموم ما دلّ عليه ، وأنّه
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٦٤٥.