مسلّم عند الكلّ فإنّهم يستدلّون لجواز اجتهاده ولا يستدلّون لجواز تقليده ، وظاهرهم أنّ مع عدم ثبوت الاجتهاد يعيّنون العمل بالتقليد » انتهى.
الحجّة الرابعة
أنّ الأدلّة الدالّة على حجّية الظنون الخاصّة والطرق المقرّرة [ تعمّ المطلق والمتجزّي ] من الكتاب والسنّة الدالّة على الأخذ بالأخبار المأثورة عن الأئمّة عليهمالسلام بتوسّط من يعتمد عليه من النقلة وغيرها تعمّ المطلق والمتجزّي ، ولا دليل على اختصاصها بالمطلق بل الظاهر منها كون الأخذ بها وظيفة لكلّ قادر على استنباط الحكم منها ، هكذا قرّره بعض الأفاضل (١).
ومن الفضلاء (٢) من فصّل فذكر من الكتاب قوله تعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ) فإنّ الإنذار يعمّ الإنذار بطريق الفتوى والرواية ، ورجحان الحذر أو وجوبه في حقّ القوم المنذرين يوجب جواز عملهم بفتواهم وروايتهم ، خرج منهم المجتهد المطلق بالنسبة إلى العمل بالفتوى والعامي الصرف بالنظر إلى العمل بالرواية ولو في الجملة للإجماع فيبقى المتجزّي مندرجا في العموم فيجوز له العمل برواية المنذرين ، وهو إنّما يكون بالاجتهاد.
وقوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) فإنّه يدلّ بمفهومه على عدم وجوب التبيّن عند مجيء العادل به ، ومقتضاه وجوب قبول نباءه والخطاب فيه غير مختصّ بالمجتهد المطلق فيتناول المتجزّي أيضا.
غاية ما في الباب أن يخرج العامي الصرف لقيام الإجماع على تعيين التقليد في حقّه فيبقى الباقي.
ومن السنّة قول الصادق عليهالسلام : « أنّ العلماء ورثة الأنبياء ـ إلى أن قال عليهالسلام ـ : إنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظّا وافرا » وقوله عليهالسلام : « أحاديثنا يعطف بعضكم على بعض ، فإنّ أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم ، فخذوا بها إنّا بنجاتكم زعيم » وقوله عليهالسلام : « الرواية لحديثنا يثبّت بها قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد » (٣) وقوله عليهالسلام : « اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا » وقريب من ذلك ما دلّ على الحثّ على حفظ أربعين حديثا ممّا ينتفع به الناس ، وقال : بهذه الأخبار تمسّك بعض أفاضل المتأخّرين ، ووجّه الاحتجاج بها أنّها تدلّ بالصراحة أو الفحوى على
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٦٤٥.
(٢) الفصول : ٣٩٦.
(٣) الكافي ١ : ٣٣ ح ٩ ، وفيه بدل « يثبّت بها » « يشدّ به ».