وقدرة قدسيّة. فأقصى ما ثبت جوازه بتقرير الأئمّة عليهمالسلام إنّما هو التجزّي في مقام الفعليّة ، وهو ـ مع أنّه ليس بمحلّ كلام ـ لا يستلزم جواز ما هو من محلّ الكلام ، هذا مع أنّه لو تحقّق الفرض ثمّة توجّه إليه المنع أيضا لمكان الفرق بين الزمانين ، فإنّ الموجودين ثمّة كانوا متمكّنين من استعلام عدالة الراوي وتعيينه بالطرق المعتبرة في الشهادة ، وكانت الأوضاع معلومة لديهم غالبا بطريق القطع لكونهم من أهل الاستعمال ، وكانوا كثيرا مّا يعثرون على القرائن والأمارات الموجبة لكمال الوثوق برواية الضعيف أو عدمه برواية الثقة ، وحيث كانوا لا يعثرون بالأمارات كان لهم وثوق بعدمها لقرب عهدهم بل وحضورهم ، بخلاف الموجودين في زماننا الغير المتمكّنين من استعلام شيء ممّا ذكر بطريق القطع.
وبالجملة فاختلاف المدارك والأمارات بيننا وبينهم قلّة وكثرة ، قوّة وضعفا أوضح من أن يحتاج إلى بيان وأجلى من أن يطالب عليها برهان ، وحينئذ فجواز تعويل المتجزّي في ذلك الزمان على الأمارات المتداولة بينهم لا يوجب جواز تعويله في زماننا على الأمارات المتداولة بيننا ، لأنّ تقريرهم عليهمالسلام إنّما ثبت في حقّ ظنون خاصّة فلا يتسرّى إلى غيرها ، هكذا قرّر الجواب الأخير بعض الفضلاء (١).
الحجّة السادسة
رواية أبي خديجة الموصوفة بالشهرة المرويّة في الفقيه وغيره ، وفيها : « انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا ، فاجعلوه بينكم قاضيا ، فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا فتحاكموا إليه » (٢).
وجه الدلالة : أنّ قوله عليهالسلام : « شيئا » نكرة في سياق الإثبات فلا يعمّ.
قال بعض الأفاضل : « وقد ادّعي اشتهارها بين الأصحاب واتّفاقهم على العمل بمضمونها فينجبر بذلك ضعفها. » (٣)
فيندفع به المناقشة في سندها برميها على الضعف بأبي خديجة القاضي بعدم صلوحها للاستناد إليها ، كما يندفع المناقشة في دلالتها من جهة اختصاص ورودها بالقضاء بما في كلام بعض الأفاضل (٤) أيضا من دعوى الاتّفاق على عدم الفرق.
نعم يرد على الاحتجاج بها من حيث منع شمولها لمحلّ البحث ، نظرا إلى أنّ المأخوذ فيها العلم بشيء من الأحكام وهو ظاهر في الاعتقاد الجازم المطابق ، فإن اريد به العلم
__________________
(١) الفصول : ٣٩٦.
(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣ ح ٣٢١٦.
(٣ و ٤) هداية المسترشدين ٣ : ٦٤٨.