والأئمّة عليهمالسلام كحال المقلّدين في هذا الزمان بالنسبة إلى الفتاوى الّتي تروى لهم عن المجتهدين ، فإنّها أيضا قد تشمل على عامّ وخاصّ ومطلق ومقيّد ونحو ذلك فيجمع بينها على الوجه المقرّر ، وقد يتعارض بحيث يتعذّر الجمع فيؤخذ بقول الأعدل والأوثق ويطرح الآخر.
ثمّ منهم من يتمكّن من استعمال ذلك في جميع الأحكام فيستعمله في الجميع ، ومنهم من يتمكّن منه في بعض دون بعض فيقتصر على ما يتمكّن منه.
وبالجملة فاولئك الّذين كانوا في زمن الأئمّة عليهمالسلام كانوا إذا اجتهدوا في أخبارهم ورواياتهم كان مؤدّى اجتهادهم حجّة في حقّهم وإن عجزوا عن الاجتهاد في الكلّ أو في جملة يعتدّ بها ، كما أنّ المقلّد في زماننا هذا إذا اجتهد في معرفة فتاوى المجتهد كان مؤدّى اجتهادهم حجّة في حقّهم وإن عجزوا عن الاجتهاد في الكلّ أو في جملة يعتدّ بها.
نعم فرق بينهما من حيث إنّ عنوان « المجتهد » بالمعنى المصطلح عليه لا يصدق على المجتهد في معرفة فتاوى المجتهد بخلاف المجتهد في معرفة أخبار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام وهذا لا مدخل له في إثبات ما نحن بصدده من إثبات الحجّية ، وإذا ثبت جواز التجزّي في زمنهم بتقريرهم لأهل زمانهم عليه وإرشادهم إليهم ثبت جوازه في حقّ من عداهم ، لأنّ حكم الله في الأوّلين حكم الله في الآخرين ، إلى غير ذلك ممّا دلّ على الشركة في التكليف.
والجواب : منع تحقّق الفرض بالقياس إلى الموجودين في زمن الأئمّة عليهمالسلام إذ القدر المعلوم وجوده ثمّة إنّما هو التجزّي في مقام الفعليّة دون التمكّن والملكة ، لسهولة الاجتهاد ووضوح طرق الاستنباط بالقياس إليهم وعدم ابتنائه على الظنون الّتي لو لا التمكّن منها لم يتأتّ الغرض ، كما أنّه لو لا جواز العمل بها لم يجز التعويل على الاجتهاد المبتني عليها ، بخلاف زماننا هذا لصيرورته من الامور الصعبة الّتي لا يحصل التمكّن منها إلاّ لأوحديّ من الناس بعد تحمّل رياضات كثيرة واقتحام مشاقّ متكثّرة ، فلذا صار فيه من جملة الحرف والصنائع المخصوصة بأهلها.
وبذلك ظهر كمال الفرق بين زماننا وزمنهم ، ومنشأ هذا الفرق عدم ابتلائهم بوجوه من الاختلال توجب صعوبة الاستنباط ، مع عدم كون الاجتهاد في حقّهم إلاّ مجرّد فهم الأخبار الّذي لا يتفاوت فيه الحال بين آحاد أهل اللسان ، وابتلائنا بوجوه الاختلال من جهات شتّى الموجب لصيرورته من أصعب الامور الّتي لا يتمكّن من تحصيلها إلاّ بواسطة ملكة قوّية