بحسب الشرع ارتفاع ما هو مسبّب عنه وهو الشكّ الموجود في الاستصحاب الآخر كما لا يخفى ، كيف ولو كان الحال كذلك لم يكن حاجة في الترجيح إلى شيء آخر ، والغلبة المدّعاة أيضا لا تصلح لأن تفيد العلم بخلاف الاستصحاب المعارض لا عقلا كما هو واضح ، ولا شرعا لعدم نهوض الدلالة الشرعيّة على اعتبارها.
وأمّا الثاني : فلأنّ المفروض أنّ الاستصحابين بكليهما مندرجان في عموم أدلّة الاستصحاب على جهة سواء ، ولا يعقل كون دخول أحد فردي العامّ فيه موجبا لخروج الآخر عنه ، وغلبة وجود أحدها لا تصلح مخصّصة له ولا قرينة صارفة عن ظاهره ، ولا موجبة لانصراف الخطاب عرفا إلى ما قلّ مورده (١) وإلاّ لخرج أكثر الاستصحابات بلا دليل الحجّية ، وهو كما ترى ممّا لا يتفوّه به جاهل فضلا عن العالم الكامل.
ورابعها : أنّ الاستصحاب مع تبدّل موضوع المستصحب غير معقول ، فإنّ حقيقة معناه ـ على ما قرّر في محلّه ـ إبقاء القضيّة المتيقّنة في حال الشكّ على ما كانت عليها في آن اليقين من غير تغيير في شيء من أجزائها موضوعا ومحمولا وغيرهما ، بأن لا يكون بينهما اختلاف إلاّ في الزمان ، على معنى كون ظرف وجود القضيّة المتيقّنة هو الزمان السابق على ما هو ظرف وجودها مشكوكة وفي حال النسبة المأخوذة فيها ، من حيث كونها في الظرف الأوّل هو اليقين وفي الظرف الثاني هو الشكّ.
وملخّصه : اشتراط كون القضيّة المشكوكة هي المتيقّنة بعينها موضوعا ومحمولا ، ومرجعه إلى اشتراط بقاء الموضوع على ما هو عليه في القضيّة المتيقّنة وهو في المقام ليس من هذا الباب ، ضرورة أنّ
موضوع التقليد والأحكام المتفرّعة عليه ليس هو هذا الشخص من حيث هو كذلك ، بل هو من حيث اندراجه في عنوان كلّي وهو المكلّف الغير المتمكّن من الاجتهاد لفقده الملكة الّتي بها يقتدر على الاستنباط أصلا ورأسا ، فموضوع القضيّة المتيقّنة هو هذا العنوان الكلّي.
ولا ريب أنّ محلّ الفرض بعد صيرورته متجزّيا بالمعنى المفروض في المقام خرج عن هذا العنوان ودخل في عنوان آخر مشكوك الحكم من بدو الأمر ، وهو المتمكّن من الاجتهاد في بعض المسائل ، فالمتجزّي ملحوظ من حيث اندراجه في هذا العنوان ، وكونه حال اليقين مندرجا في العنوان الأوّل لا ينفع في اتّحاد موضوع القضيّتين ، لفرض خروجه
__________________
(١) كذا في الأصل ، والّذي يقتضيه السياق هكذا : « ولا موجبة لانصراف الخطاب عرفا عمّا قلّ مورده الخ ». والله العالم.