وإن لم يكن ثابتا لا يزول بتشكيك المشكّك ، وإطلاقه على اليقين لكونه أحد نوعي هذا المعنى العامّ لا لعنوانه الخاصّ ، واصطلاح أهل المنطق ليس مبنيّا على تخصيصه به ، بل هو حسبما يطّلع عليه المتتبّع في كلماتهم مبنيّ على التعميم بالقياس إلى ما ذكر من المعنى العامّ وغيره حتّى الجهل المركّب بل الظنّ بل مطلق التصوّر أيضا ، وإطلاقه على ما عدا الأوّل في العرف واللغة بعنوان الحقيقة غير معهود.
فمعناه الحقيقي يعتبر فيه أمران : الجزم الّذي لا يحتمل معه الخلاف ، ومطابقة الواقع ، فلا يطلق على الظنّ ولا الجهل المركّب.
نعم قد يطلقه الظانّ لغفلته عن الاحتمال المرجوح الموجود في نفسه على الظنّ ما دام غافلا لا لأنّه إطلاق له في نظره على الظنّ ، بل لأنّه إطلاق له بزعمه الناشئ عمّا طرأه من الغفلة على الجزم المطابق ، كما أنّه يطلقه الجازم عن جهل مركّب على جزمه لاعتقاده بمطابقته ، فلذا لو تفطّن الأوّل بما في نفسه من الاحتمال لسلب العلم عن اعتقاده ، كما أنّ الثاني لو انكشف عنده عدم المطابقة جزم بعدم كونه عالما من أوّل الأمر.
ومن هنا أيضا يصحّ سلب الاسم عنه عند من اطّلع على عدم مطابقة جزمه ، فالعلم بحقيقته اللغويّة متضمّن لعدم احتمال الخلاف ، سواء كان عقليّا وهو الاعتقاد الجازم المطابق بشيء يقضي العقل بامتناع خلافه كالعلم بزوجيّة الأربعة ونحوها ، أو شرعيّا وهو الاعتقاد الجازم المطابق بشيء يقضي الشرع بامتناع خلافه كالعلم بطهارة الماء ونجاسة الكلب ونحوهما ، أو عاديّا وهو الاعتقاد الجازم المطابق بشيء يقضي العادة بامتناع خلافه كعلمنا بعدم انقلاب ماء البحر دما ، وبعدم انقلاب الجبل الّذي غبنا عنه بعد لحظة ذهبا ، وبعدم انقلاب الأواني الموضوعة في البيت الّتي غبنا عنها بعد ساعة علماء عارفين بالعلوم الدقيقة وما أشبه ذلك من العلوم العاديّة ، فإنّ الامتناع عبارة عن ضرورة جانب العدم ، ومن البيّن أنّ الحاكم بضرورة عدم خلاف الزوجيّة في الأربعة هو العقل ، وبضرورة عدم خلاف الطهارة في الماء وخلاف النجاسة في الكلب هو الشرع ، بحيث لو لا حكمه بهما فيهما لم يكن النجاسة في الأوّل والطهارة في الثاني ممّا استحاله العقل ، وبضرورة العدم لانقلاب الماء والجبل والأواني دما وذهبا وعلماء هو العادة ، بحيث لو لا حكمها بالعدم فيها لما استحال العقلاء الانقلاب في شيء منها ، لإمكانه الذاتي بالنظر إلى عموم قدرته تعالى وكون الممكنات بأسرها متساوية النسبة إلى قدرته الكاملة.