ومن هنا مع ملاحظة ما تقدّم يعلم أنّ إطلاق لفظ « العلم » على ما ذكر ونظائره إن اريد به الحقيقة غفلة ، كما أنّ توهّم كونه من العلوم العاديّة غفلة في غفلة ، كيف وإنّ العادة لا تقضي بامتناع وقوع الموت فجأة لوقوعه في الخارج كثيرا.
ولا ريب أنّ التفطّن بذلك المنشأ قد يورث قوّة احتمال الوقوع ، كما أنّه كلّما طالت مدّة الغيبوبة يورث قوّة فوق قوّة حتّى أنّه قد يؤول الأمر إلى تساوي هذا الاحتمال لاحتمال الحياة فينعقد به صورة الشكّ.
وبالجملة فالمدار في احتمال الخلاف بحسب الذهن وجودا وعدما وضعفا وقوّة على المنشأ وجودا وعدما وضعفا وقوّة وهو وقوع خلاف المعلوم في الخارج ، فإن كان ذلك ممّا لم يقع في الخارج قطّ كان منشأ لعدم الاحتمال ، وهو المعنى المراد من قضاء العادة بالامتناع ، وإن كان ممّا وقع بندرة كان منشأ للاحتمال الضعيف ، وإن كان ممّا كثر وقوعه كان منشأ للاحتمال القويّ ، وهكذا بالقياس إلى مراتب الندرة والكثرة بحسب الضعف والقوّة ، فإنّ اختلاف هذه المراتب يوجب اختلاف مراتب الاحتمال.
ولا يذهب عليك أنّه قد ينعكس الأمر فيحدث في نفس الإنسان بالقياس إلى معتقده احتمال وقوع خلافه ، فيكون ما في الذهن ـ لطروّ هذا الاحتمال ـ ظنّا أو شكّا غفلة عن منشأ زوال هذا الاحتمال وهو عدم الوقوع في الخارج قطّ الّذي هو مناط الامتناع العادي ، أو عدم قابليّة الوقوع فيه الّذي هو مناط الامتناع العقلي أو الشرعي ، بحيث لو زالت الغفلة وحصل التفطّن بالمنشأ المذكور في أحد وجوهه لارتفع الاحتمال وانقلب ما في الذهن جزما بل ويقينا.
ومن هنا نشأ الظنّية والشكّيّة والوهميّة والاعتقاد الجهلي في المسائل العلميّة من العقليّات والشرعيّات والعاديّات وفي القضايا العرفيّة وغيرها.
وبجميع ما ذكر يظهر ما في دعوى إطلاق « العلم » على ما يسكن إليه النفس بقول مطلق إن اريد به الإطلاق بعنوان الحقيقة ، إلاّ أن يرجع إلى إطلاقه عليه بزعم انتفاء الاحتمال غفلة عن حقيقة الحال.
وأضعف من ذلك دعوى رجوع نزاع الفريقين إلى أمر لفظي.
نعم لا نضائق أن نقول : إنّ أحد الفريقين إنّما أطلق « العلم » في دعوى قطعيّة الأخبار على ما ليس منه في الحقيقة لمجرّد وهم وغفلة ، ولذلك ونحوه قد يقال : إنّ الأخباريّين