ولو سلّم المنع عمّا ذكر فلا ريب أنّ انعقاد الشهرة على خلاف ما هو من المذهب في غاية البعد ، مضافا إلى وجود النصّ على الترجيح بها ، وتعليله : بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، والتعليل في نفسه من أسباب القوّة والترجيح ، ولذا يقدّم المعلّل على غيره خصوصا بمثل التعليل المذكور المعتضد بالاعتبار كما عرفت. وأمّا وجه الافتقار في غير ذلك فيظهر ممّا مر في حجّة القول بالافتقار مطلقا.
واعلم أنّ عدّ ذلك قولا برأسه قبالا للقول المختار من إثبات الحاجة إلى الرجال بقول مطلق مبنيّ على كون
معرفة الرجال المحتاج إليها مرادا بها خصوص ما يحصل بمراجعة الكتب الرجاليّة.
وأمّا على ما نبّهنا عليه سابقا من حملها على ما يعمّه وما يحصل من المعرفة بغير المراجعة من الأسباب الموجبة لها ، ومحصّله تحصيل ما يوجب الوثوق بصدق الرواية وصدورها ، فلا مخالفة بينه وبين المختار بل هو هو باعتبار المعنى ، وعليه فلا يمكن دفعه ولا القدح في شيء من شقّيه وإن ضعف الوجه المذكور في مستنده باعتبار بعض فقراته.
أمّا أوّلا : فلأنّ المقصود بالبحث هنا هو الشهرة بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء المعبّر عنها في مقابلة الإجماع : « بذهاب المعظم » الّذي يلزمه وجود المخالف ، وعليه فلا يمكن جعلها من المرجّحات المنصوصة فضلا عن كونها من أقواها ، لأنّ ما ورد في النصوص الآمرة بالترجيح بالشهرة لا ينزّل على هذا الاصطلاح الحادث المتأخّر عن زمن الصدور جدّا ، وهو في العرف واللغة ـ حسبما نصّ عليه أئمّة اللغة ويساعد عليه التفاهم العرفي ـ عبارة عن ظهور الشيء ووضوحه على وجه لا يبقى معه فيه خفاء.
ومن هنا يقال المشهور على المعروف ، وهذا المعنى كما ترى يرادف الإجماع المقابل للشهرة بالمعنى المصطلح عليه.
وممّا يرشد إلى ذلك أيضا ما ورد في هذه النصوص من تعليل الأمر بالترجيح بالشهرة : « بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه ».
ويرشد إليه أيضا إضافة الجمع في قوله عليهالسلام : « خذ بما اشتهر بين أصحابك » من حيث إفادتها العموم ، ومفاده اعتبار الاشتهار بين جميع الأصحاب وهو بحكم التبادر والانسياق العرفي عبارة عن تلقّيهم الخبر بالقبول وعملهم به وأخذهم بموجبه ، فلا يكفي في اشتهاره بين الأصحاب مجرّد كون وجوده فيما بين الروايات معروفا لديهم وإن لم يتحقّق له عامل