الّذين ليسوا بجاهلين ولا غافلين ولا مقلّدين من حيث لا يشعرون » انتهى (١).
والعجب من مقلّدة الأخباريّة كيف خفي عليهم هذا الأمر مع ظهوره وكمال وضوحه بحيث يدركه المخدّرات في الحجرات ، فأنكروا الحاجة إليه رأسا وهو كما ترى مع الاعتراف بابتناء معرفة الأحكام على الأدلّة أو السنّة فقط ـ حسبما يزعمونه ـ ممّا يشبه التناقض ، لوضوح أنّ شيئا ممّا ذكر لا ينهض دليلا ولا يتمّ حجّة إلاّ بإعمال القواعد الاصوليّة ومراعاة ضوابطها المقرّرة ، إلاّ أن يرجع الإنكار المذكور إلى إنكار ابتنائها على النظر في الأدلّة حتّى السنّة بدعوى الضرورة في كافّة الأحكام الشرعيّة ، وهو كما ترى أوضح فسادا ، مع أنّهم ينادون بأعلى صوتهم بانحصار المرجع في السنّة وهو ممّا لا يجامع نفي الحاجة إلى مراعاة المسائل الاصوليّة بالمرّة.
وأوضح ما يرد على مقالتهم هذه من التدافع ما هم عليه من منع حجّية ظواهر الكتاب إلاّ ما ورد تفسيره في الروايات ، فإنّ التفسير حقيقة معناه ترجع إلى تخصيص عامّ الكتاب أو تقييد مطلقه بالرواية أو أخذها قرينة لمجازاته أو بيانا لمجملاته أو ناسخة لمنسوخاته.
وهذا كما ترى التزام بنبذة من المسائل الاصوليّة ، ومنه ما هم عليه من العمل بالبراءة الأصليّة لنفي الوجوب في فعل وجوديّ إلى أن يثبت دليله ، ومنع العمل بها لنفي التحريم في فعل وجوديّ إلى أن يثبت دليله ، بدعوى : كون الأصل فيه التحريم أو وجوب الاحتياط أو الوقف والعمل باستصحاب حكم العموم إلى أن يقوم المخصّص ، وحكم النصّ إلى أن يرد الناسخ ، واستصحاب إطلاق النصّ إلى أن يثبت المقيّد.
ومنع العمل (٢) باستصحاب حكم شرعي في موضع طرئت فيه حالة لم يعلم شمول الحكم لها ، على معنى ثبوته في وقت ثمّ يجيء وقت آخر ولم يقم دليل على انتفائه فيه ، فلا يحكم ببقائه على ما كان استصحابا للحالة السابقة كما عليه المحقّقون من الفقهاء والاصوليّين.
وقد صرّح في الحدائق (٣) بنفي الإشكال وعدم الخلاف في حجّيّة البراءة الأصليّة بالمعنى الأوّل ، وحجّية الاستصحاب بالمعنيين الاوليين ، ومصيرهم إلى عدم الحجّية في الثاني من معنى البراءة الأصلّية والأخير من معاني الاستصحاب ، والكلّ كما ترى من المسائل الاصوليّة بل عمدتها.
__________________
(١) الفوائد الحائريّة : ٣٣٦.
(٢) عطف على قوله : « ومنه ما هم عليه ... ».
(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٥١.