ولا ريب أنّ عدم التمكّن منه عذر قاطع وبرهان ساطع في التقليد ، وليس للملك أن يحكمّ على ناحية إلاّ من يعلم من حاله أنّه يعرف معنى الأمر والنهي باعتبار المادّة ، وأنّ ما يبلّغه إليه الثقة بصيغة « افعل » أو « لا تفعل » هل يصدق عليهما الأمر والنهي أم لا؟ وعلى تقدير عدم الصدق فمفادهما أيّ شيء؟ وأن يعرف « الثقة » مفهوما ومصداقا ، وأن يعرف سائر الجهات المتعلّقة بالخطاب الّتي لها دخل في فهمه ، فلو حكّم من ليس له هذه المرتبة من المعرفة ولا أنّه متمكّن من تحصيلها وأوجب عليه مع ذلك أن يعمل بأمره ونهيه ومقتضى خطابه الواصل إليه من الثقة فلا ريب أنّه ارتكب فعلا قبيحا ، وكان ممّن يرميه العقلاء بسخافة الرأي ودناءة الطبع ، ثمّ إذا ترك هذا الرجل القيام بمقاصد الأوامر والنواهي الواصلة إليه معتذرا بعدم تمكّنه عن فهم تلك المقاصد كان معذورا وخارجا عن حدّ التقصير في نظر العقلاء ، فلو عاتبه الملك حينئذ أو عاقبه لأطبقوا على تقبيحه ورميه بالسفه.
والقوم الّذين لا يعملون بهذه الاصول لا علم لهم بالأحكام الشرعيّة الفعليّة الّتي يترتّب عليها آثار الإطاعة والانقياد ، وما يزعمونه علما بمعتقدهم الفاسد ليس في نظر الشرع إلاّ جهلا مستقرّا نشأ عن التقصير ، فعدم كونهم متحيّرين حقّ غير أنّ عدم التحيّر قد يكون لأجل العلم بالمسألة ولو شرعيّا ، وقد يكون لأجل الجهل بها ولو مركّبا ، ومجرّد عدم المعرفة بتغيّر العرفين لا يوجب استفادة المطلب من الخطاب ما لم يتصدّ لإعمال الاصول المقرّرة لإحراز المراد الّتي لا تعرف إلاّ بمراعاة علم اصول الفقه ، والأحاديث إنّما يكون حجّة لمن يقوم بشرائط الحجّية المحرزة للسند والدلالة وغيرها ممّا له تعلّق بمقام استفادة الحكم واستنباطه لا مطلقا ، وعدم التكليف بأزيد ممّا يفهم إنّما يسلّم لمن نشأ فهمه عن القواعد المقرّرة والضوابط المحرّرة الباعث مراعاتها على إدراج هذا الفهم في عداد العلوم الشرعيّة وإخراجه عن الجهل والضلالة.
وما علم فيه بتغيّر العرف يعلم حاله بسائر الطرق الاجتهاديّة والاصول القويّة المحكمة الّتي رضي بها الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم واكتفيا بها عن الواقع حيثما اجريت مجاريها ، والحكم عليها بالضعف إنّما ينشأ عن ضعف العقيدة وقصور الهمّة ، ولا مجال للكتاب والسنّة والإجماع الكاشف عن قول أهل العصمة في العرف وما يتعلّق به ، مع أنّ ما علم فيه بتغيّر العرف إن أوجب إشكالا فهو مشترك الورود.
ولا ريب أنّه يهون في نظر من يعتمد على تلك الاصول الضعيفة ويرتفع بطريقته أخذا