وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم ينس بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه وعلم الناسخ والمنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، فإنّ أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ، وخاصّ وعامّ ، ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الكلام له وجهان : كلام عامّ وكلام خاصّ مثل القرآن ، وقال الله عزّ وجلّ في كتابه ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )(١) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم » إلى آخره.
فانظر إلى مضامين هذا الحديث الشريف وفقراته وما أشار إليه من جملة كثيرة من مسائل اصول الفقه كانت معمولة لديهم متداولة عندهم على وجه علم به الإمام فرضي به ولم يردعهم ، بل أمر ضمنا بمراعاة جملة اخرى منها كما يظهر بالتأمّل.
والعمل بأوامر الشرع ونواهيه كيف يعقل مع عدم فهم المعنى المراد منهما ، ولا يعقل الفهم من غير الإذعان فيهما ولو ظنّا بكونهما للإيجاب والتحريم أو الندب والكراهة أو لهما معا بطريق الاشتراك لفظا ومعنى ، ولا الإذعان بأنّ الأمر يفيد المرّة والتكرار والفور أو التراخي أو طلب الماهيّة ، وأنّه إذا وقع عقيب الحظر فحكمه ماذا؟ وإنّ الأوامر وكذا النواهي الصادرة عن الأئمّة صارتا من المجازات الراجحة المساوي احتمالها لاحتمال الحقيقة كما ذهب إليه بعض الأصحاب أو لا كما عليه المعظم؟
فلو اريد بالعلوم اللغويّة الموجبة لفهم الأوامر والنواهي ما يفيد جميع ذلك وغيره ممّا يرتبط به فهم خطابات الشرع كتابا وسنّة فهو اعتراف بعين المدّعى من قيام الحاجة إلى معرفة المسائل الاصوليّة فيعود النزاع لفظيّا ، ونحن لا نقصد من مسائل علم الاصول إلاّ الامور المذكورة ونظائرها إن شئتم سمّوها بهذا الاسم أو بغيره ، ولو اريد بها ما لا يفيد ذلك كلاّ أم بعضا. فدعوى الفهم غير مسموعة ، فالحكم على من هذه حاله بوجوب التقليد إنّما هو لانصحار طريقه فيه وعدم تمكّنه من غيره ، فكلّ من جهل مسائل علم اصول الفقه كلاّ أو بعضا على وجه لا يغنيه ما علمه في التوصّل إلى الاستنباط على الوجه الشرعي وحسبما هو قانونه عند أهل الشرع ليس وظيفته إلاّ التقليد ، لا لأنّه جاهل بل لأنّ هذا الجهل موجب لعدم تمكّنه من فهم الأدلّة.
__________________
(١) الحشر : ٥٩.