قوله تعالى : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ )(١) بما فهمه خطأ من عموم كلمة « ما » لما يعقل أو ما لا يعقل قائلا : « أما عبد موسى وعيسى والملائكة؟ » من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما أجهلك بلسان قومك ، أما علمت أنّ « ما » لما لا يعقل » حيث إنّه توبيخ على المعترض على ما لم يعلمه أو غفل عن مراعاة ما علمه من كون « ما » لغير ذوي العقول.
بل المتتبّع في أخبار الأئمّة وآثار أهل بيت العصمة يجد فيها إشارات غير محصورة إلى كون مسائل هذا العلم متداولة لديهم ومعمولا بها عندهم ، لو لم نقل بكونها تصريحات بذلك.
ويكفيك في ذلك ملاحظة ما تقدّم في الأخبار الّتي احتجّ بها الأخباريّة على إبطال طريقة المجتهدين من رواية سليم بن قيس الهلالي قال : « قلت لأمير المؤمنين عليهالسلام : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم غير ما في أيدي الناس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة في تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطلا؟ فترى الناس يكذبون على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متعمّدين ويفسّرون القرآن بآرائهم؟ قال : فاقبل عليّ عليهالسلام فقال : قد سألت فافهم الجواب ، إنّ في أيدي الناس حقّا وباطلا ، وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا ، وعامّا وخاصّا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على عهده حتّى قام خطيبا فقال : « أيّها الناس قد كثرت عليّ الكذابة فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبّوأ مقعده من النار » ثمّ كذّب عليه من بعده ، وإنّما آتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :
رجل منافق يظهر الإيمان متصنّع بالإسلام لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متعمّدا ، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسمع منه وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله ، إلى أن قال :
ورجل سمع من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه ، فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه ، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم به أو سمعه ينهى ثمّ أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.
__________________
(١) الأنبياء : ٩٨.