وتوضيحه : أنّ حقيقة الملكة المأخوذة في مفهوم الاجتهاد المشروطة بالامور المتقدّمة الّتي منها القوّة المذكورة عبارة عن الحالة النفسانيّة المعتدلة الّتي يقتدر معها على إقامة الأدلّة الشرعيّة على الأحكام الجزئيّة الفرعيّة ، وظاهر أنّ إقامة الأدلّة تستدعي كبريات محرزة أو مقدّمات اخر مرتبطة بالكبريات هي قضايا كلّيّة تستحصل جملة منها من علم اصول الفقه واخرى من علوم اخر وثالثة من الأدلّة التفصيليّة كتابا وسنّة وغيرها ، وصغريات أو مقدّمات مرتبطة بالصغريات هي قضايا محقّقة أو فرضيّة تدرك بالوجدان تحرز على وجه ينطبق موضوعاتها على موضوعات الكبريات المذكورة تعدية لما فيها من الأحكام المثبتة بأدلّتها إليها ، وهذا هو معنى التفريع المأمور به في الأخبار بقولهم : « علينا أنّ نلقي إليكم الاصول وعليكم أن تفرّعوا » ويرادفه ما ورد في تفسير القوّة المبحوث عنها من قولهم : « ردّ الفروع إلى اصولها وإرجاع الجزئيّات إلى كلّيّاتها » نظرا إلى أنّ هذه المفاهيم ليس لها معنى محصّل إلاّ تطبيق موضوع المسألة الفرعيّة على موضوع الأصل والقاعدة الكلّيين ، ثمّ إجراء حكم موضوعيهما الكلّيين على موضوعها الّذي هو على فرض الانطباق من جزئيّات هذين الموضوعين.
ولا ريب أنّ إحراز الكبريات لابدّ له من منشأ لا يكون إلاّ حالة نفسانيّة هي إمّا نفس العلوم المشار إليها أو الحالة الناشئة منها ، أو الباعثة على تمكّن إدراكاتها ، كما أنّ إحراز الصغريات على الوجه المذكور لاب دّ له من منشأ لا يكون إلاّ حالة نفسانيّة تغاير الحالة الاولى ، ولا تلازم بينهما أيضا باعتبار الخارج ، لبداهة التخلّف من الطرفين كما يدرك بالوجدان وصرّح به غير واحد من الأعيان ، فقد يبلغ الإنسان في العلوم المشار إليها حظّا وافرا ولا حظّ له في التفريع المذكور لقصور باعه وضعف فطنته كما هو المشاهد ، وقد يتسلّط بفطانته وانسه بمذاق الفقهاء لمخالطته لهم ومزاولته متون كتبهم على التفريع وإدراج كلّ فرع في أصله المقرّر لدى أرباب الصناعة. ولا يتمكّن من تحقيق ذلك الأصل بنفسه ، لعدم خبرته بالعلوم المشار إليها أو عدم استكماله لها ، فإذا جمع الوظيفتين استكمل الحالتين ويحصّل له باجتماعهما حالة ثالثة هي الهيئة الاجتماعيّة أو الهيئة البسيطة المنتزعة عنها أو المتولّدة منها على وجه الحقيقة ، والحالة المعبّر عنها بالقوّة القدسيّة يغايرها على جميع الوجوه ، غير أنّها على الوجه الآخر مغايرة لها ذاتا واعتبارا وعلى الوجهين الأوّلين مغايرة اعتبارا ، والفرق بينهما أنّها على أوّلهما حالة مركبّة من الحالتين ، فإن اخذت بوصف الاجتماع