تمكّن ردّ مطلق الجزئيّات إلى الكلّيات والفروع إلى الاصول ، لا بردّ جزئيّات الفقه إلى كلّياته ».
ولكنّك خبير بأنّه أظهر في بعض الوجوه المتقدّمة ، كما أنّك بصير بأنّ ذيل كلامه غير خال عن حزازة ، فإنّ التعميم المذكور المتعقّب للتصريح بنفي الخصوصيّة غير واضح الوجه.
إلاّ أن يقال : إنّه لتوهّم التلازم بين صناعة الفقه وسائر الصناعات في قوّة التفريع ، فإنّها حيثما حصلت لا تختصّ بصناعة دون اخرى ، فليتدبّر.
وربّما يفسّر هذا الشرط بسرعة الانتقال كما في بعض شروح التهذيب عند قول العلاّمة : « وثامنها : أن يكون له قوّة استنباط الأحكام الفرعيّة عن المسائل الاصوليّة » فقيل في شرحه : « هذا قريب من التمكّن الّذي مضى ذكره ، ويمكن أن يراد بقوّة الاستنباط سرعة الانتقال ، ويسمّيه بعض الفقهاء بالقوّة القدسيّة كما في الدروس ، ويحمل ذلك على أن لا يكون متناهيا في البلادة وهو أن يكون بحيث إذا راعى أجزاء القياس وشرائطها يغلط في الانتقال ، فهذا لا يكون مجتهدا ، إذ من حصّل الأسباب كلّها فهو متهيّئ باعتبار الأسباب ، لكن بعد ترتيب القياس يغلّط ، فهذه مرتبة اخرى بعد المرتبة الاولى على ما يفهم من كتاب الإشارات » انتهى. وضعفه واضح ممّا مرّ ، فإنّ التمكّن من إقامة الدليل على وجه اشتمل على صغرى وكبرى لا يتأتّى إلاّ بوجود ما يحرز به الصغرى من الهيآت النفسانيّة ، وقوّة الاستنباط هاهنا مرادا بها القوّة الباعثة على التمكّن من إحراز الصغرى لتعدية الأحكام الاصوليّة بالمعنى الأعمّ من القواعد الكلّية المقرّرة في نفس الفقه إليها.
ولا ريب في مغايرته لما مرّ ، مع أنّ سرعة الانتقال بمعنى عدم التناهي في البلادة ممّا لا مدخل له في حقيقة هذه القوّة ، بل هي كجودة الذهن وغيرها كمال آخر من كمالات النفس.
وما بيّنّاه في الفرق بين هذا الشرط ومشروطه ـ وهو الاجتهاد بالمعنى الملكي ـ لا ينافي ما قرّرناه في تعريف الفقه من أنّ مقام الاجتهاد ما يحرز فيه صغرى لينضمّ إليها كبرى مستحصلة من أدلّة حجّية اعتقاد المجتهد ومجتهداته وكونها أحكاما فعليّة ، لأنّ ما يقع صغرى لهذا القياس هو النتيجة المستحصلة في مقام الاجتهاد المبتنية على الملكة المشترطة بامور منها : القوّة المفسّرة بالقوّة القدسيّة حسبما تقدّم.
ثمّ يبقى الكلام في امور ينبغي التعرّض لها :
أحدها : مقتضى التأمّل الصادق ـ كما تنبّه عليه بعض الفضلاء ـ كون أصل هذه القوّة