من حيث إنّها عرض قائم بالنفس أمرا كسبيّا منوطا عروضها بالأسباب الخارجيّة الّتي عمدتها التدبّر التامّ في جميع أطراف المسألة ووجوهها ليتميّز به ما به اندراجها تحت أصل من الاصول عن الخصوصيّات المكتنفة بها ، ولملاحظة النظائر والأضداد تمييزا لما به مضادّة الأضداد عمّا به اندراج النظائر المندرجة تحت الأصل المشكوك في اندراج المسألة تحته ليعلم اندراجها فيه وعدم اندراجها دخل عظيم في حصولها ، وليس ذلك من باب القياس في شيء ، لوضوح الفرق بين الانتقال إلى حكم شيء لاندراجه تحت أصل كلّي بملاحظة ما به اندراج النظائر المندرجة فيه ، وبين الانتقال إلى حكم شيء أصله مشتركة بينه وبين غيره المعبّر عنه بالأصل.
وممّا له دخل في حصولها أيضا ملاحظة تفريعات أهل الصناعة ومزاولة تنظيراتهم واستنباطاتهم الجزئيّة ، ولمجادلة أربابها ومباحثتهم أيضا دخل فيه وفي ازدياده.
فما يستفاد من بعض الأعلام من كون هذه القوّة أمرا غريزيّا موهبيّا يختصّ ببعض النفوس دون بعض ولا يحصل أصلها بالكسب بل له مدخليّة في زيادتها وتقويتها ، ليس بسديد.
نعم قابليّة المحلّ من حيث استعداده وتهيّوئه لقبولها أمر موهبي لابدّ وأن يكون من المبدأ الفيّاض ولا مدخل للكسب فيه ، ومرجعها إلى الفطانة والذكاوة وجودة الذهن واستقامة الطبع ، ولعلّه قدسسره اختلط عليه الأمر فاشتبه القوّة الحالّة في المحلّ بقابليّة ذلك المحلّ مع وضوح الفرق بينهما ، فإنّ القابليّة بالمعنى المذكور من أسباب هذه القوّة ومقتضياتها. ثمّ إنّه كما أنّ لها أسبابا ومقتضيات فكذلك لها منافيات لابدّ في تحقّقها من انتفائها :
منها : إعوجاج السليقة ، فإنّه من معائب النفس الباعثة على عدم استقامة الطبع الّذي يستكشف عنه بمراجعة الغالب والمعتدلين ومشاهير الفقهاء والمجتهدين.
ومنها : الجربزة الباعثة على عدم وقوف الذهن على شيء المعلوم انتفاؤها ، بأن يكون له ثبات فيما يرجّحه.
ومنها : البلادة الباعثة على عدم التفطّن بالدقائق المعتنى بها في مقام الاستنباط.
وقد يذكر هنا امور اخر منها : أن لا يكون جريّا في الفتوى غاية الجرأة ، ولا مفرطا في الاحتياط ، فإنّ الأوّل ممّا يهدم المذهب والدين ، والثاني ممّا لا يهتدي إلى سواء الطريق من