بلسان الفقهاء » وكأنّه مراد من عبّر بما تقدّم من المعرفة بفقه الفقهاء.
فالقول بتوقّفه على معرفة فروع الفقه إن اريد بها ما عدا الانس المذكور ضعيف جدّا.
وأضعف منه ما عن بعض أفاضل متأخّري المتأخّرين من توهّم اشتراطه بكونه عالما بجملة يعتدّ بها من الأحكام علما فعليّا بحيث يسمّى في العرف فقيها ، كما في « النحوي » و « الصرفي » فإنّهما لا يصدقان عرفا بمجرّد حصول الملكة الكلّية ، بل لابدّ بها من الفعليّة المعتدّ بها عند أهل الصناعة.
فإنّ إضافة العلم إلى الأحكام ـ على ما تقرّر في غير موضع ـ لا يستقيم إلاّ إذا اريد بها الأحكام الفعليّة ، ولم ينهض دليل من الشرع والعقل على أنّ مجتهدات فاقد الملكة أحكام فعليّة في حقّه ولا في حقّ غيره ، بل الدليل ناهض بخلافه.
والمفروض أنّ مقصود المقام بيان شروط الاجتهاد بمعنى الملكة ، ومن المستحيل أخذ العلم بجملة من الأحكام الفعليّة يعتدّ بها المتوقّف على الملكة شرطا له بهذا المعنى للزومه الدور ، وأخذه شرطا له بمعنى الفعل خروج عن فرض المسألة ، مع أنّ قضيّة العبارة المذكورة ابتناء المطلب على كون الاجتهاد مرادفا للفقه.
وقد عرفت سابقا منعه مع توجّه المنع إلى توقّف صدق اسم « الفقيه » على العلم المذكور ، على معنى كونه مأخوذا في مسمّاه العرفي إن اريد به الإذعان بالمسائل الحاصل بطريق الاستدلال ، بل قصارى ما يسلّم اعتباره إنّما هو الإحاطة بجملة يعتدّ بها من مسائل الفنّ ، بل هذا هو القدر المسلّم في « النحوي » و « الصرفي » وغيرهما على أربابها ، والمراد بالإحاطة هنا التصديق بهذه الجملة على أنّها من مباحث الفنّ الباحث عنها عند أهلها ، لا على أنّها امور ثابتة لموضوعاتها باعتبار الواقع.
ومن الفضلاء من جعل العلم المذكور شرطا غالبيّا لتحقّق الاجتهاد خارجا وذهنا على معنى تحقّقه الخارجي والعلم به معا ، حيث قال : « والتحقيق أنّ الملكة المعتبرة في الاجتهاد المطلق ـ أعني الملكة الكلّيّة ـ لا يحصل غالبا إلاّ بالممارسة المستلزمة للفعليّة المذكورة ، وكذلك العلم بحصولها لا يحصل غالبا بدونها ، فهي طريق إلى حصول الملكة ومعرفتها غالبا ، لا شرط في الاعتداد بها » (١) وهذا ليس بسديد ، إلاّ إذا رجع إلى إرادة أخذ الشرط هو الممارسة الملزومة للفعليّة المذكورة لا نفس الفعليّة.
__________________
(١) الفصول : ٤٠٤.