وما يلهج به جهلا أو تجاهلا بعض أهل العصر ، من توقّف الاجتهاد المطلق على أمور وراء ما ذكرناه ، فمن الخيالات الّتي تشهد البداهة بفسادها * والدعاوي الّتي تقتضي الضرورة من الدين بكذبها.
__________________
وحينئذ يكون قريبا ممّا قدّمناه من شرطيّة الانس بطريقة الفقهاء ومذاقهم ، نظرا إلى أنّه لا يتأتّى إلاّ بالممارسة ، وقد وافق في هذا التعبير على التوجيه المذكور عبارة الوافية القائلة : « بأنّ الحقّ أنّه لا يكاد يحصل العلم بحلّ الأحاديث ومحاملها بدون ممارسة فروع الفقه » (١).
* الحقّ وفاقا لغير واحد من أساطين الطائفة من كون شروط الاجتهاد مقصورة على الامور المتقدّمة ولا مزيد عليها.
نعم هاهنا امور اخر نصّ غير واحد بكونها من مكمّلات الاجتهاد كمعرفة الحساب والهيئة والهندسة والطبّ.
أمّا الأوّل : فبأن يعرف منه الأربعة المتناسبة والخطأين والجبر والمقابلة (٢) والأعداد المتماثلة والمتداخلة والمتوافقة والمتبائنة.
وأمّا الثاني : فبأن يعرف منه ما يتعلّق بالقبلة ، وبكون الشهر ثمانية وعشرين يوما بالنسبة إلى بعض الأشخاص.
وأمّا الثالث : فبان يعرف منه ما يتعلّق بالسطوح وغيرها ليظهر فائدته فيما لو باع بشكل العروس (٣) وغيره.
وأمّا الرابع : فبأن يعرف منه ما يحتاج إليه في القرن ونحوه من العيوب المفسخة للنكاح ، وغير ذلك من الأمراض المبيحة للإفطار.
وعدم كونها من شروط الاجتهاد واضح ، لأنّ وظيفة الفقيه بيان الحكم لا معرفة الموضوع ، وهذا هو معنى ما قيل في وجه عدم الحاجة من : « أنّ الفقيه ليس عليه إلاّ الحكم باتّصال الشرطيّات وأمّا تحقيق أطراف الشرطيّة فليس وظيفته ».
__________________
(١) الوافية : ٢٨٣.
(٢) تجد توضيح هذه المصطلحات في : مفتاح السعادة ١ : ٣٧٠ وأبجد العلوم : ٢ : ٢٦٣.
(٣) شكل العروس ـ عند القدماء من علماء الهندسة ـ عبارة عن : كلّ مثلّث قائم الزاوية ، فإنّ مربّع وتر زاويته القائمة يساوي مربّعي ضلعيها ، وإنّما سمّي به لحسنه وجماله ـ راجع كشّاف اصطلاحات الفنون ١ : ٧٨٥.