وقال الثاني : « الإجماع منعقد على أنّ المصيب من المجتهدين في المسائل العقليّة واحد ، إذ المطابق لما في نفس الأمر لا يكون إلاّ واحدا ، وأيضا الإجماع منعقد على أنّ النافي ملّة الإسلام مخطئ آثم كافر اجتهد أو لم يجتهد ».
ومن الخاصّة ثاني الشهيدين في تمهيد القواعد قائلا : « ليس كلّ مجتهد في العقليّات مصيبا بل الحقّ فيها واحد ، فمن أصابه أصاب ومن أخطأ أثم إجماعا ».
ونفى الخلاف عنه في العدّة قائلا :
« اعلم أنّ كلّ أمر لا يجوز تغيّره عمّا هو عليه من وجوب إلى حظر ومن حسن إلى قبح فلا خلاف بين أهل العلم المحصّلين أنّ الاجتهاد في ذلك لا يختلف ، وإنّ الحقّ في واحد ، وإنّ من خالفه ضالّ فاسق ، وربّما كان كافرا ، وذلك نحو القول بأنّ العالم قديم أو محدث؟ وإذا كان محدثا هل له صانع أم لا؟ والكلام في صفات الصانع وتوحيده وعدله ، والكلام في النبوّة والإمامة وغير ذلك ، وكذلك الكلام في أنّ الظلم والعبث والكذب قبيح على كلّ حال ، وإنّ شكر المنعم وردّ الوديعة والإنصاف حسن على كلّ حال ، وما يجري مجرى ذلك » (١).
وذكر في المحصول ما يقرب من عبارة العلاّمة في النهاية وفي كلامهما أيضا إشعار بالإجماع كما يظهر بالتأمّل.
والسرّ في هذه الإجماعات مع مخالفة الجاحظ وصاحبه أنّ الإجماع سابق على خلافهما ولا حق به.
والعضدي لم يتعرّض لنقله بل جعل المسألة خلافيّة بقوله : « قد اختلف أكلّ مجتهد مصيب أم لا؟ وحكم العقليّات والشرعيّات في ذلك مختلف ـ إلى أن قال ـ : بل المصيب من المتخالفين واحد ليس إلاّ والآخر مخطئ ، وإنّ من كان منهم نافيا لملّة الإسلام كلّها أو بعضها فهو مخطئ آثم كافر سواء اجتهد أو لم يجتهد ، خلافا للجاحظ فإنّه قال : لا إثم على المجتهد مع أنّه مخطئ ويجري عليه في الدنيا أحكام الكفّار بخلاف المعاند فإنّه آثم ، وإليه ذهب العنبري وزاد عليه : أنّ كلّ مجتهد في العقليّات مصيب ، فإن أراد وقوع معتقده حتّى يلزم من اعتقاد قدم العالم وحدوثه اجتماع القدم والحدوث فخروج عن المعقول ، وإن أراد عدم الاثم فمحتمل عقلا » انتهى (٢).
وليعلم أنّ قول الجمهور المدّعى عليه الإجماع يتضمّن دعوى قضايا ثلاث : خطأ الغير
__________________
(١ و ٢) العدّة ٢ : ٧٢٣.