الواحد من المجتهدين المختلفين في المسائل العقليّة الكلاميّة ، على معنى كون الواحد منهم باعتبار إدراكه الواقع مصيبا بمعنى مطابقة اعتقاده لنفس الأمر.
وغيره باعتبار عدم إدراكه الواقع مخطئا بمعنى عدم مطابقة اعتقاده لنفس الأمر ، وكفره بحسب أحكام الدنيا من النجاسة والقتل ونهب الأموال وأسر الأولاد والعيال ، وإثمه بحسب دار الآخرة.
وينبغي القطع بعدم كون خلاف الجاحظ والعنبري في القضيّة الاولى بإرادتهما تصويب الكلّ على معنى مطابقة آرائهم في محلّ الخلاف لنفس الأمر ، فإنّه فيما لا يقبل التعدّد غير معقول ، والواقع في اصول العقائد بل مطلق العقليّات واحد لا يقبل التعدّد ولا يتغيّر ولا يختلف بحسب اختلاف الآراء والاعتقادات ، سواء كان الأمر فيه دائرا بين الوجود والعدم أو بين الوجوديين.
وضابطه الامور الواقعيّة الّتي واقعيّتها ليست منوطة بجعل جاعل ولا اعتبار معتبر ، ففي مثل هذه الامور مطابقة النسبة للواقع في النقيضين أو الضدّين محال عقلا.
وقد عرفت عن العلاّمة في التهذيبين ـ كما في محصول الرازي ـ إرجاع القول بالإصابة إلى إرادة غير هذا المعنى ، وهو الّذي يساعد عليه صريح أدلّة الطرفين ، بل لم نقف على من احتمل إرادة هذا المعنى عدا العضدي في كلامه المتقدّم عند نقل مذهب العنبري ، وهذا منه عجيب فإنّ استحالة اجتماع النقيضين كاستحالة اجتماع الضدّين من القضايا الضروريّة والمقدّمات الأوّلية الّتي لم يتفوّه به جاهل فضلا عن العالم الفاضل ، ولذا ترى أنّ أدلّة الطرفين خلو عن التعرّض لها إثباتا ونفيا ، فإنّ ما لا يعقل ثبوته لا يصحّ الاستدلال على نفيه كما لا يصحّ الاستدلال على ثبوته.
لكن قد يقال : لو قيل بعدم [ استلزام ] العلم بالعلّة للعلم بالمعلول وجواز انفكاكه عنها واقعا ـ كما عليه الأشاعرة القائلين بعدم الملازمة بين المقدّمات ونتائجها عقلا ، بل هي باعتبار جري عادة الله تعالى على إيجاد العلم بالثانية عقيب العلم بالاولى ـ لصحّ تعقّل التصويب في العقليّات ، نظرا إلى منع امتناع اجتماع النقيضين حينئذ بحسب العقل وإن امتنع بحسب جري عادة الله على عدمه.
وفيه : أنّه غير لازم على مذهب الأشاعرة المبنيّ على مقالتهم الفاسدة ، وهو أنّه لا ترتّب ولا علّية في الوجود إلاّ بإجراء الله تعالى عادته على خلق شيء كالعلم والمعلول عقيب شيء آخر كالنظر والعلّة ، وإن كان لا يبعد عنهم التفوّه ـ لسخافة رأيهم ـ بنظائر ذلك.
أمّا أوّلا : فلعدم تمشّي منعهم الترتّب العقلي بين العلّة والمعلول هنا ، لأنّ عدم اجتماع النقيضين معلول لذات النقيضين ، فإنّهما لذاتهما يقتضيان ضرورة عدم اجتماعهما ، فلا يجوّز