فلا يتفاوت فيه الحال بين كون الخطأ على وجه القطع أو الظنّ ، مع إطلاق المجتهد في كلامهم ، مع أنّ احتجاج القول بالمعذوريّة بأنّ تكليفهم بنقيض اجتهادهم ممتنع عقلا وسمعا لأنّه ممّا لا يطاق أوفق بصورة القطع.
ولا ينافيه ما نقله العلاّمة في النهاية عن بعض المعتزلة من تأويله مقالة القاضي والعنبري بالحمل على المعذوريّة في المسائل المختلف فيها بين المسلمين الّتي لا يكفر مخالفها ، كمسألة الرؤية وخلق الأعمال وقدم الكلام وغير ذلك لأنّ الأدلّة فيها ظنّية متعارضة ، لعدم ابتناء التعليل بالظنّية على كون موضوع المسألة هو المجتهد الظانّ ، بل على ما ستعرفه من رجوع النزاع إلى الصغرى وهو استناد خطأ المجتهد إلى تقصيره فلا يكون معذورا أو إلى قصوره فيكون معذورا ، فغرض بعض المعتزلة تنزيل قول الجاحظ وصاحبه ـ المبنيّ على دعوى القصور ـ على المسائل الّتي يجوز فيها القصور لظنّية أدلّتها وتعارضها الباعثة على الخطأ غالبا من غير تقصير.
ثمّ إنّ ظاهر هذا المؤوّل كون محلّ النزاع من المسائل العقليّة الكلاميّة ، المسائل المختلف فيها بين المسلمين الّتي لا يكفر مخالف الحقّ فيها من حيث إنّه مخالف له ، وإن كان قد يكفر باعتبار خصوصيّة اخرى منضمّة إليه ككونه ممّا ثبت بضرورة من الدين أو المذهب كالمسائل المشار إليها ونظائرها ، ومنها مسألة الإمامة المختلف فيها بين العامّة والشيعة ، دون المسائل المختلف فيها بين المسلمين وغيرهم من سائر فرق الكفر ، بل هذا ممّا جزم به التفتازاني في شرح عبارة العضدي عند المناقشة في الإجماع الّذي تمسّك به العضدي على إثم المخطئ قال :
« وفي ورود الدليل على محلّ النزاع مناقشة ، لأنّ الإجماع إنّما هو في الكافر المخالف للملّة صريحا ، والنزاع إنّما هو فيمن ينتمي إلى الإسلام ويكون من أهل القبلة ، وإلاّ فكيف يتصوّر من المسلم الخلاف في مسألة خطأ مثل اليهود والنصارى » انتهى.
وهذا كما ترى خلاف ظاهر الأكثر وخلاف مقتضى أدلّة الجمهور المصرّحة بكفر المخطئ ، وخلاف ما صرّح به غير واحد كالعلاّمة في النهاية وغيره كالعضدي في عبارته المتقدّمة : « بل المصيب من المتخالفين واحد ليس إلاّ والآخر مخطئ ، وإنّ من كان منهم نافيا لملّة الإسلام كلّها أو بعضها فهو مخطئ آثم كافر سواء اجتهد أو لم يجتهد ، خلافا للجاحظ فإنّه قال : لا إثم على المجتهد مع أنّه مخطئ ويجري عليه في الدنيا أحكام