تضاعيف كلماتهم في تلك المسألة.
كيف وهذا البيان إنّما يلائم ما لو قرّر الكلام في نوع المكلّف مع كون المتنازع فيه إمكان التأثيم وعدمه وقد ظهر سابقا خلافه.
نعم لو قرّر الكلام في إمكان القصور وعدمه في نوع المكلّف ولو عاميّا نزاعا آخر غير النزاع في المسألة لم يكن بذلك البعيد.
ويمكن استخراج نزاع آخر في وجود الأدلّة القاطعة على المطالب الاصوليّة وعدمه من بعض كلماتهم الآتية ، ولكنّ الظاهر أنّه متفرّع على النزاع في التعبّد بالظنّ وعدمه في اصول الدين ، ضرورة أنّ التعبّد بالعلم على جهة التعيين يستدعي وجود الأدلّة العلميّة حذرا عن التكليف بغير المقدور.
وما ستعرف من أهل القول بالتعبّد بالظنّ من منع وجودها فإنّما وقع منه قصدا إلى منع لزوم التعبّد بالعلم نظرا إلى أنّ انتفاء اللازم ممّا يكشف عن انتفاء الملزوم ، أو قبالا لمدّعي وجودها.
وكيف كان فلا بدّ في تحقيق كون النزاع كبرويّا أو صغرويّا على الوجه الّذي بيّنّاه من ذكر أدلّة القولين وتحريرها ونقل سائر ما يتعلّق بها من النقوض والإبرامات.
فنقول : احتجّ الجمهور بوجوه :
منها : ما قرّره المصنّف تبعا للعلاّمة في التهذيب والسيّدين في شرحيهما له من : « أنّ الله تعالى كلّف عباده في العقليّات الكلاميّة بالعلم ، ونصب عليه دليلا فالمخطئ له مقصّر فيبقى في العهدة ».
واستدلّ في المنية على كلّ من مقدّمتي الدليل ، أمّا على المقدّمة الاولى : فبقوله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ) وقوله أيضا : واعلم أنّه لا إله إلاّ هو (١) فإنّه بظهور الهيئة والمادّة يفيد إيجاب العلم بالالوهيّة والوحدانيّة.
وأمّا على المقدّمة الثانية : فبأنّه لو لا نصب الدليل عليه لزم تكليف ما لا يطاق وهو قبيح.
فهذا الدليل بصراحته يقضي بابتناء الحكم في نظر الجمهور على التقصير في النظر والاجتهاد ويرجع مفاده إلى دعوى ملازمتين :
أحدهما : ملازمة الخطأ هنا للتقصير ، والاخرى ملازمة التقصير للتأثيم ، فينتظم بملاحظة الملازمتين قياس بتلك الصورة : المجتهد المخطئ في العقليّات مقصّر في اجتهاده ،
__________________
(١) محمّد : ١٩.