وكلّ مقصّر في اجتهاده آثم.
أمّا الكبرى : فبحكم المقدّمة الاولى من الدليل.
وأمّا الصغرى : فبحكم المقدّمة الثانية ، إذ المراد بالدليل المنصوب هو الدليل الواضح القاطع الّذي يجده من طلبه لئلاّ يلزم تكليف ما لا يطاق ، فمن لم يجده لم يطلبه بحكم عكس النقيض ، ومن لم يطلبه فقد فرّط في تحصيل الواجب الّذي هو العلم والمفرّط مقصّر جدّا.
وقد يقرّر الدليل ـ على ما في نهاية العلاّمة كما عن المحصول ـ : « بأنّ الله تعالى نصب الأدلّة القاطعة على هذه المطالب ومكّن العقلاء من معرفتها ، فوجب أن لا يخرجوا عن العهدة إلاّ بالعلم ».
واجيب عن التقرير الأوّل : بالمنع من وضعه تعالى أدلّة قاطعة على تلك المطالب يتمكّن العقلاء من معرفتها ، والخطاب بالعلم الوارد في الآية متوجّه إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وله من وفور العقل ودقّة النظر وكمال الحدس ما ليس لأحد من أمّته ، فلا جرم كلّفه بالعلم به لتمكّنه منه ، ولمّا كانت عقول الامّة قاصرة عن ذلك وفطنتهم ضعيفة لم يكلّفهم بالعلم حذرا عن تكليف الغافل وتكليف ما لا يطاق. وغرض المجيب منع كون المجتهد المخطئ في المعارف مقصّرا باعتبار منع تكليفه بالعلم فيها من جهة منع نصبه تعالى أدلّة يتمكّن من معرفتها العقلاء ، فلا يكون آثما.
وهل هو في مراد المجيب لعدم تكليفه فيها رأسا من باب السالبة بانتفاء الموضوع كفاقد الطهورين بالنسبة إلى الصلاة ، أو لخروجه عن عهدة تكليفه وهو التكليف بمؤدّى اجتهاده وهو اعتقاده جزما أو ظنّا وإن تعلّق بالباطل؟ احتمالان ، منشأهما رجوع النفي في قوله : « لم يكلّفهم بالعلم » إلى جنس العلم الّذي هو عبارة عن الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، بناء على أنّ قصوره وعجزه عن الوصول إلى الواقع وإدراك نفس الأمر ينهض عذرا عقليّا كاشفا عن عدم توجّه تكليف إليه بالاعتقاد في الواقع كالحائض إذا طرأها الحيض في أثناء نهار رمضان ، سواء كان قصوره من جهة تأدية اجتهاده إلى الجزم بالباطل وإن كانت زيادة النظر بعده مقدورة له بحسب الواقع ، أو من جهة عدم تمكّنه من زيادة النظر وإن كان اجتهاده قد أدّى إلى الظنّ بالباطل أو إلى أحد فصليه : الجزم أو المطابقة بناء على وقوع التعبّد بالظنّ في اصول الدين وإن تعلّق بالباطل ، أو كفاية الاعتقاد الجازم فيها (١) وإن
__________________
(١) عطف على قوله : « منشأهما رجوع النفي في قوله : لم يكلّفهم بالعلم إلى جنس العلم » الخ.