لم يطابق الواقع ، فالمخطئ على كلّ من الوجهين امتثل تكليفه بتحصيل ما كلّف به من الاعتقاد مطلقا أو بشرط الجزم مطلقا.
ولكنّ الظاهر سقوط احتمال رجوع النفي إلى الجنس عن مراد المجيب بملاحظة ما اجيب به عن التقرير الثاني للدليل ، القاضي ببناء قوله بالعذر وعدم الإثم على الاكتفاء بالظنّ الاجتهادي في اصول الدين وإن لم يطابق الواقع ، حيث اجيب عنه : « بمنع نصب الأدلّة القاطعة وتمكّن العقلاء من معرفتها ، خصوصا ونحن نرى الخلق مختلفين في الأديان والعقائد من زمن وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ويبعد أن يكون أحد منهم مكابرا.
سلّمنا لكن لا نسلّم اقتضاء ذلك أمرهم بالعلم ، فجاز أنّهم كانوا مأمورين بالظنّ الغالب سواء كان مطابقا أو لا ، وحينئذ يعذر الآتي به.
ويدلّ على أنّ التكليف إنّما وقع بالظنّ أنّ اليقين التامّ المتولّد من البديهيّتين المرتّبتين ترتيبا صحيحا متعسّر لا يصل إليه إلاّ الآحاد ، فلا يقع التكليف به لجميع الخلق ، لقوله عليهالسلام : « بعثت بالشريعة السهلة السمحة » ولا حرج أعظم من تكليف الإنسان في لحظة واحدة بمعرفة ما عجز الخلق عن معرفته في خمسمائة سنة ، ولأنّا نعلم أنّ الصحابة لم يكونوا عالمين بهذه الأدلّة والدقائق والجواب عن شبهات الفلاسفة ، كما لم يكونوا عالمين بدقائق الهندسة وعلم الهيئة والحساب ، مع أنّه عليهالسلام حكم بإيمانهم ، سلّمنا أنّهم كلّفوا بالعلم لكن نمنع عقاب المخطئ والإجماع في محلّ الخلاف ممنوع » انتهى.
ولك أنّ تقول : بأنّ المنع الأخير مبنيّ على إرجاع النفي إلى جنس العلم ، فيراد بمنع العقاب دعوى انكشاف عدم توجّه التكليف إليه رأسا ، لعدم تمكّنه من تحصيل العلم بسبب طروّ العذر المانع عن صحّة التكليف ، بناء على عدم جواز أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه ، المبنيّ على قبح تكليف الغافل وقبح تكليف ما لا يطاق كما يشير إليه الحجّة الآتية لقول الجاحظ.
ومنها : أنّا نعلم بالضرورة أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر اليهود والنصارى بالإيمان وذمّهم على إصرارهم على عقائدهم وقاتل بعضهم ، وكان يكشف عن مؤثّر المبالغ ويقتله ، ومعلوم أنّ المعاند المعارض ممّا يقلّ وإنّما الأكثر مقلّدة عرفوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا المعجزة.
واعترض عليه : بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قتلهم لجهلهم بالحقّ مع إصرارهم على ترك التعلّم لا الجهل مطلقا ، فلعلّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالغ في إرشادهم ولم يلتفتوا إلى بيانه واشتغلوا باللهو والطرب ، وأمّا