حجّة القول الآخر أمران :
أحدهما : ما أشار إليه الحاجبي من : « أنّ تكليفهم بنقيض اجتهادهم ممتنع عقلا وسمعا لأنّه ممّا لا يطاق ».
والظاهر أنّ مراده هو العلم بالواقع ؛ ولا ريب أنّه مع تأدية الاجتهاد إلى الجزم بخلاف الواقع أو إلى الظنّ ـ مع عدم التمكّن من زيادة النظر ـ ممتنع ، فيكون التكليف به تكليفا بما لا يطاق وهو قبيح عقلا وسمعا فيكون ممتنعا.
وهذا أوجه ممّا ذكره العضدي في توجيهه من : « أنّ تكليفهم بنقيض اجتهادهم تكليف بما لا يطاق ، فيمتنع.
أمّا الاولى : فلأنّ المقدور بالذات هو الاجتهاد والنظر لكونهما من قبيل الأفعال ، دون الاعتقاد فإنّه من قبيل الصفات ، وما يؤدّى إليه الاجتهاد حصوله بعد الاجتهاد ضروري واعتقاد خلافه ممتنع.
وأمّا الثانية : فلما تقدّم من دليل العقل والسمع على امتناع تكليف ما لا يطاق وعلى عدم وقوعه » انتهى.
وهذه الحجّة مع الأوّل من أدلّة الجمهور ، وجوابه المتقدّم شاهد قطعي برجوع النزاع إلى إثبات التقصير على المجتهد المخطئ ونفيه عنه ، واللازم من التقصير كونه معاقبا باعتبار عدم خروجه عن عهدة التكليف بالعلم وتركه امتثاله وعدم إتيانه بالمكلّف به عن تقصير لا عن عذر ، كما أنّ اللازم من عدم التقصير عدم العقاب على مخالفة الواقع إمّا لخروجه عن عهدة تكليفه وامتثاله بإتيان المكلّف به إن قلنا بتوجّه التكليف في المعارف إلى مطلق الاعتقاد ولو ظنّا أو إلى الاعتقاد الجازم وإن لم يطابق الواقع ، أو لسقوط التكليف عنه رأسا بطروّ العذر وهو خروج المكلّف به عن المقدوريّة إن قلنا بأنّ التكليف في الاصول يقع على خصوص العلم وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الّذي هو مع تأدية الاجتهاد إلى الاعتقاد الغير المطابق متعذّر.
وكيف كان فأجاب عنه العضدي ـ تبعا للحاجبي ـ : « بأنّا لا نسلّم أنّ نقيض اعتقادهم غير مقدور ، فإنّ ذلك امتناع بشرط المحمول أي ما داموا معتقدين لذلك يمتنع أن يعتقدوا خلافه ، وذلك لا يوجب كون الفعل ممتنعا عنهم غير مقدور لهم ، فإنّ الممتنع الّذي لا يجوز التكليف به ما لا يتأتّى عادة كالطيران وحمل الجبل ، وأمّا ما كلّفوا به فهو الإسلام وهو