وينبغي القطع بعدم كون المخطئ فيها كافرا ، إذ ليس فيها ما يوجب إنكاره أو القول به الكفر إذا كان خلاف الواقع لا بالذات ولا لعارض ، لعدم كون شيء منها ممّا أخذ الاعتقاد به في الإيمان ، ولا ممّا يستلزم إنكاره إنكار أصل من اصول الدين.
وتوهّم أنّ بعض مسائل الحجّية كحجّية ظواهر الكتاب أو خبر الواحد أو نحوه إذا علم كونه ممّا أتى به الرسول فإنكاره يوجب الكفر لاستلزامه تكذيب الرسول.
يدفعه : أنّ شرط لزوم الكفر من هذه الجهة أن يعلم المنكر كونه ممّا جاء به الرسول فأنكره كما في إنكار الضروريّات ، وهذا الفرض في المسائل الخلافيّة غير متحقّق من منكر الحجّية لو كان هو المخطئ ، لأنّ مرجع إنكاره إلى إنكار كونه ممّا جاء به النبيّ لا إنكار كونه حكم الله مع الإذعان والإقرار بكونه ما أخبر به النبيّ ، وهذا واضح.
نعم لو اتّفق من أنكره على الوجه الثاني أو رجع إنكاره إلى الامتناع من التديّن به وبالأحكام المستفادة منه فلا إشكال في الكفر إلاّ أنّه خارج من مفروض المسألة لأنّه معاند.
وهل يأثم المخطئ فيها إذا كان مقصّرا في اجتهاده واستقصائه النظر؟ فالوجه العدم ، لأنّ الإثم المستتبع للعقاب فرع على الخطاب ، لأنّه عبارة عن مخالفة الخطاب في الواجبات النفسيّة والمحرّمات الذاتيّة.
ولا ريب أنّ مسائل اصول الفقه ليست موردا لخطاب الشرع على وجه يكون معرفتها وتحصيلها من الواجبات النفسيّة الّتي يعاقب على تركها لا إلى بدل ومن غير عذر ، ليكون التقصير في الاجتهاد المؤدّي إلى الوقوع في مخالفة الواقع فيها في معنى ترك المعرفة الواجبة اختيارا.
لا يقال : إنّ معرفة اصول الفقه ـ على ما تقدّم في بيان شروط الاجتهاد ـ من مبادئ الاجتهاد ومقدّمات الاستنباط ، فمن وجب عليه الاستنباط عينا أو كفاية وجب استحصال مقدّماته الّتي منها معرفة هذا العلم ، فيلزم الإثم بالتقصير في تحصيلها.
لمنع كونها من مقدّمات أصل الاستنباط الّذي يقال له الاجتهاد ، بل هو كسائر الشروط ـ على ما بيّنّاه سابقا ـ من شروط الاجتهاد الملكي ، فالملكة الّتي يقتدر بها على الاستنباط موقوفة على هذه المعرفة ، وأمّا نفس الاستنباط فهو موقوف على إعمال مسائل هذا العلم