بعد معرفتها كلّ في الموضع اللائق به.
ولو سلّم كونها أيضا ممّا يتوقّف عليه الاستنباط ، غاية الأمر كونها شرطا بالواسطة ، بضابطة : أنّ شرط الشرط شرط ، والقائل بوجوب المقدّمة لا يخصّ الوجوب بمقدّمات نفس الواجب بل يعمّه بالقياس إلى مقدّمات المقدّمات ومقدّمات مقدّماتها وهكذا.
لكن نقول : إنّ هذا الوجوب ـ على تقدير تسليمه المبنيّ على تسليم وجوب الاستنباط على فاقد الملكة أيضا ـ غيريّ مقدّمي ، وقد تقرّر في محله أنّ الواجبات الغيريّة الصرفة الّتي منها مقدّمات الواجبات لا يستحقّ الثواب بفعلها ولا العقاب بتركها من حيث هو ، فلا إثم على ترك المعرفة من حيث هو.
نعم هذا المقصّر إذا استنبط أحكاما فلا تكون مستنبطاته أحكاما فعليّة له ولا لغيره ممّن أراد تقليده ، لأنّ الّذي ظهر من أدلّة حجّية مستنبطات المجتهد إنّما هو كون مستنبطات المجتهد الغير المقصّر في مقدّمات اجتهاده أحكاما فعليّة في حقّه وحقّ مقلّديه لا غير.
وحينئذ فلو أفتى بتلك المستنبطات كان من الإفتاء بما لا يعلم ، ومن الحكم بغير ما أنزل الله ، وهذا حرام بنصّ الآيات والروايات بل بالأدلّة الأربعة ، ولو عمل بها لنفسه كان من التديّن بما لا يعلم كونه من قبل المولى وهو قبيح عقلا وفاعله مستحقّ للذمّ والعقاب.
وهذا كلّه وإن كان من الإثم المستتبع للعقاب غير أنّه ليس من الإثم على المخطئ في مسائل اصول الفقه من تقصير في النظر من حيث إنّه مقصّر فيها كما هو واضح.
ويجري هذا الكلام بعينه في سائر مبادئ الاستنباط ومقدّماته لو فرض المخطئ فيها مقصّرا.
وربّما يشكل الحال في نفي الإثم من جهة إطلاق بعض الإجماعات المنقولة على إثم المخطئ في العقليّات كما تقدّم عن الشهيد في تمهيد القواعد بعين عبارته.
إلاّ أن يدفع : بدعوى انصرافه إلى ما يكون من العقليّات موردا للوجوب النفسي كالمعارف.
ويقوى الإشكال ـ مع عدم جريان هذا الوجه ـ بالنظر إلى كلام الشيخ في العدّة المصرّح بكون المخطئ ضالاّ فاسقا حتّى في نحو قولنا : « الظلم والعبث والكذب قبيح » و « إنّ شكر المنعم وردّ الوديعة والإنصاف حسن » كما تقدّم أيضا بعين عبارته ، بل الإشكال في كلامه من وجهين فتارة : باعتبار إثبات التقصير على المخطئ هنا إذ القاصر لا إثم عليه ، واخرى : من جهة إثبات الاثم على المقصّر كما هو لازم الفسق ، لكون مسألة التحسين